الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الرابعة : قطع يديه ورجليه ومات ، فقال الجاني : مات بالسراية ، فعلي دية ، وقال الولي : بل مات بعد الاندمال ، فعليك ديتان ، نظر ، إن لم يمكن الاندمال في تلك المدة لقصرها كيوم ويومين ، فالقول قول الجاني بلا يمين .

                                                                                                                                                                        وقيل : بيمين ، قاله الشيخ أبو حامد ، لاحتمال الموت بعارض ، كحية وسم مذفف ، والصحيح الأول ، لأن الاختلاف في الاندمال فقط ، فلا ينظر إلى غيره ، وإن أمكن الاندمال في تلك المدة ، ففيه أوجه .

                                                                                                                                                                        أصحها : أن القول قول الولي بيمينه ، وبهذا قطع الأكثرون ، والثاني : إن مضت مدة طويلة لا يمكن أن تبقى الجراحة فيها غير مندملة ، صدق الولي بلا يمين ، وإلا فيمين ، قطع به ابن الصباغ والروياني .

                                                                                                                                                                        والثالث : إن كان احتمال الاندمال مع إمكانه بعيدا ، صدق الجاني بيمينه ، وإلا فالولي ، وادعى الإمام اتفاق الأصحاب عليه ، وليس كما ادعى ، ولو اختلفا في مضي زمن الاندمال ، صدق الجاني ، لأن الأصل أنه لم يمض .

                                                                                                                                                                        ولو قال الجاني : مات بالسراية ، أو قتلته أنا قبل الاندمال ، وقال الولي : بل مات بسبب آخر ، بأن قال : قتل نفسه ، أو قتله آخر ، أو شرب سما موحيا ، فأيهما يصدق ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : الولي ، لأن الأصل بقاء الديتين بالجنايتين ، والأصل عدم السبب الآخر ، ولو اقتصر الولي على أنه مات بسبب آخر ولم يعينه ، قال الصيدلاني : لا يلتفت إلى قوله إن قصر الزمان [ ص: 212 ] ولم يمكن فيه الاندمال ، فإن أمكن ، فإن صدقناه بيمينه ولم نحوجه إلى بينة ، قبل قوله ، وحلف أنه مات بسبب آخر ، وإن لم نصدقه وأحوجناه إلى البينة ، فلا بد من التعيين لتصور إقامة البينة .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : ولا يبعد طرد الوجهين ، وإن لم يمكن الاندمال ، ولو اتفقا على أن الجاني قتله ، لكن قال : قتلته قبل الاندمال ، فعلي دية ، وقال الولي : بل بعده ، فعليك ثلاث ديات ، والزمان محتمل للاندمال ، صدق الولي في بقاء الديتين ، والجاني في نفي الثالثة ، ويجيء وجه أنه يصدق الجاني مطلقا .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        لو قطع إحدى يديه ومات ، فقال الجاني : مات بسبب آخر ، فعلي نصف الدية ، وقال الولي : مات بالسراية ، فعليك دية ، فأيهما يصدق ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : الولي ، ولو قال الجاني : مات بعد الاندمال فعلي نصف دية ، وقال الولي : مات بالسراية ، والزمن محتمل للاندمال ، فالمصدق الجاني على الأصح .

                                                                                                                                                                        ولو اختلفا في مضي زمن الإمكان ، فالمصدق الولي ، لأن الأصل عدم المضي ، ولو قتله الجاني بعد القطع ، وقال : قتلته قبل الاندمال ، فعلي دية ، وقال الولي : بعده ، فعليك دية ونصف ، فالمصدق الجاني .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        جرحه بقطع يد أو غيره ، فمات ، فقال الجاني : حز آخر رقبته ، فليس علي قصاص النفس ، وقال الولي : بل مات بسراية جرحك ، فأيهما يصدق ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : الولي ، وبه قطع الداركي .

                                                                                                                                                                        ولو قال الولي : مات بالسراية ، وقال الجاني : مات بعد الاندمال ، قال الإمام : إن طالت المدة ، وكان الظاهر الاندمال ، صدق الجاني بيمينه ، وإن قصرت المدة ، وبعد احتمال الاندمال ، فالمصدق الولي ، وقيل : في المصدق قولان مطلقا متى كانت المدة محتملة ، وإن لم تحتمل المدة [ ص: 213 ] الاندمال ، صدق الولي بلا يمين ، وإن لم تحتمل بقاء الجرح ، صدق الجاني بلا يمين .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        حيث صدقنا مدعي الاندمال ، فأقام الآخر بينة بأن المجروح لم يزل متألما من الجراحة حتى مات ، رجعنا إلى تصديقه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية