الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون ( 31 ) )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : وهؤلاء الذين كذبوا بلقاء الله ، " يحملون أوزارهم على ظهورهم " . وقوله : " وهم " من ذكرهم " يحملون أوزارهم " يقول : آثامهم وذنوبهم .

واحدها " وزر " يقال منه : " وزر الرجل يزر " إذا أثم ، قال الله : " ألا ساء ما يزرون " . فإن أريد أنهم أثموا ، قيل : " قد وزر القوم فهم يوزرون ، وهم موزورون " . [ ص: 327 ]

قد زعم بعضهم أن " الوزر " الثقل والحمل . ولست أعرف ذلك كذلك في شاهد ، ولا من رواية ثقة عن العرب .

وقال - تعالى ذكره - : " على ظهورهم " لأن الحمل قد يكون على الرأس والمنكب وغير ذلك ، فبين موضع حملهم ما يحملون من ذلك .

وذكر أن حملهم أوزارهم يومئذ على ظهورهم ، نحو الذي : -

13187 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الحكم بن بشير بن سلمان قال : حدثنا عمرو بن قيس الملائي قال : إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيبه ريحا ، فيقول له : هل تعرفني ؟ فيقول : لا ، إلا أن الله قد طيب ريحك وحسن صورتك ! فيقول : كذلك كنت في الدنيا ، أنا عملك الصالح ، طالما ركبتك في الدنيا ، فاركبني أنت اليوم ! وتلا يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ، [ سورة مريم : 85 ] . وإن الكافر يستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحا ، فيقول : هل تعرفني ؟ فيقول : لا ، إلا أن الله قد قبح صورتك وأنتن ريحك ! فيقول : كذلك كنت في الدنيا ، أنا عملك السيئ ، طالما ركبتني في الدنيا ، فأنا اليوم أركبك وتلا " وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون " . [ ص: 328 ]

13188 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم " فإنه ليس من رجل ظالم يموت فيدخل قبره ، إلا جاء رجل قبيح الوجه ، أسود اللون ، منتن الريح ، عليه ثياب دنسة ، حتى يدخل معه قبره ، فإذا رآه قال له : ما أقبح وجهك ! قال : كذلك كان عملك قبيحا ! قال : ما أنتن ريحك ! قال : كذلك كان عملك منتنا ! قال : ما أدنس ثيابك ! قال فيقول : إن عملك كان دنسا . قال : من أنت ؟ قال : أنا عملك ! قال : فيكون معه في قبره ، فإذا بعث يوم القيامة قال له : إني كنت أحملك في الدنيا باللذات والشهوات ، فأنت اليوم تحملني . قال : فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخله النار ، فذلك قوله : " يحملون أوزارهم على ظهورهم " .

وأما قوله - تعالى ذكره - : " ألا ساء ما يزرون " فإنه يعني : ألا ساء الوزر الذي يزرون - أي : الإثم الذي يأثمونه بربهم ، كما : -

13189 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : " ألا ساء ما يزرون " قال : ساء ما يعملون .

التالي السابق


الخدمات العلمية