الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            إسلام عكرمة - رضي الله عنه - ابن أبي جهل

            روى محمد بن عمر عن شيوخه - رحمه الله تعالى - وإياهم : أن عكرمة - رضي الله عنه - قال : بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نذر دمي يوم الفتح ، وكنت في جمع من قريش بأسفل مكة - وقد ضوى إلي من ضوى - فلقينا هناك خالد بن الوليد ، فأوقع بنا ، فهربت منه أريد والله - أن ألقي نفسي في البحر ، وأموت تائها في البلاد قبل أن أدخل في الإسلام ، فخرجت حتى انتهيت إلى الشعيبة ، وكانت زوجتي أم حكيم بنت الحارث امرأة لها عقل ، وكانت قد اتبعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ، إن ابن عمي قد هرب يلقي نفسه في البحر فأمنه .

            وروى ابن أبي شيبة وأبو داود ، والنسائي عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى عنه ، والبيهقي عن عروة - رحمه الله تعالى : أن عكرمة ركب البحر فأصابتهم ريح عاصف ، فنادى عكرمة اللات والعزى ، فقال أهل السفينة : أخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا ، فقال عكرمة : والله لئن لم ينجني من البحر إلا الإخلاص لا ينجيني في البر غيره ، اللهم لك عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده ، فلأجدنه عفوا غفورا كريما ، فجاء وأسلم .

            وروى البيهقي عن الزهري ، ومحمد بن عمر عن شيوخه : أن أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله : قد ذهب عكرمة عنك إلى اليمن ، وخاف أن تقتله ، فأمنه يا رسول الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «هو آمن”

            فخرجت أم حكيم في طلبه ، ومعها غلام لها رومي ، فراودها عن نفسها فجعلت تمنيه حتى قدمت به على حي من عك فاستعانتهم عليه ، فأوثقوه رباطا ، وأدركت عكرمة وقد انتهى إلى البحر ، فركب سفينة ، فجعل نوتي يقول له : أخلص أخلص ، قال : أي شيء أقول ؟ قال : قل لا إله إلا الله ، قال عكرمة : ما هربت إلا من هذا ، وإن هذا أمر تعرفه العرب والعجم حتى النواتي! ما الدين إلا ما جاء به محمد ، وغير الله قلبي ، وجاءتني أم حكيم على هذا الأمر ، فجعلت تليح إلي وتقول : يا ابن عم ، جئتك من عند أبر الناس ، وأوصل الناس ، وخير الناس ، لا تهلك نفسك ، فوقف لها حتى أدركته ، فقالت له : إني قد استأمنت لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمنك ، فرجع معها وقالت : ما لقيته من غلامك الرومي وأخبرته خبره فقتله وهو يومئذ لم يسلم .

            فلما وافى مكة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه ، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت” فجعل عكرمة يطلب امرأته يجامعها فتأبى عليه وتقول : أنت كافر وأنا مسلمة ، فقال : إن أمرا منعك مني لأمر كبير قال ابن عقبة والزهري فيما رواه البيهقي وعروة وغيرهما : فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عكرمة وثب إليه - وما علا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رداء فرحا بعكرمة ، ثم جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقف عكرمة بين يديه ومعه زوجته متنقبة ، فقال : يا محمد!! إن هذه أخبرتني أنك أمنتني ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم «صدقت فأنت آمن” قال عكرمة : فإلام تدعو يا محمد ؟ قال : «أدعو إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتفعل وتفعل” حتى عد خصال الإسلام ، فقال عكرمة : والله ما دعوت إلا إلى خير وأمر حسن جميل ، قد كنت فينا يا رسول الله قبل أن تدعونا - إلى ما دعوتنا إليه - وأنت أصدقنا حديثا ، وأبرنا برا ، ثم قال عكرمة : فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال :

            يا رسول الله : علمني خير شيء أقوله ، قال : «تقول أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله” ، قال عكرمة : ثم ماذا ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «تقول : «أشهد الله وأشهد من حضر أني مسلم مجاهد مهاجر” ، فقال عكرمة ذلك
            . ثم حكى ابن إسحاق ، عن الزهري أن فاختة بنت الوليد امرأة صفوان ، وأم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل [ أسلمتا ] وقد ذهبت وراءه إلى اليمن ، فاسترجعته فأسلم ، فلما أسلما أقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتهما بالنكاح الأول .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية