الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            [ سبب تسمية الرسول لخراش بالقتال ] روى ابن أبي شيبة عن الزهري ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، قالوا : خرج غزي من هذيل في الجاهلية وفيهم جنيدب بن الأدلع الهذلي يريدون حي أحمر بأسا من أسلم - وكان أحمر بأسا رجلا من أسلم شجاعا لا يرام ، وكان لا ينام في حيه إلا ينام خارجا من حاضره ، وكان إذا نام غط غطيطا منكرا لا يخفى مكانه ، وكان الحاضر إذا أتاهم فزع صرخوا : يا أحمر بأسا . فيثور مثل الأسد ، فلما جاءهم ذلك الغزي من هذيل قال لهم جنيدب بن الأدلع : إن كان

            أحمر بأسا قد قيل في الحاضر فليس إليهم سبيل ، وإن له غطيطا لا يخفى ، فدعوني أتسمع فتسمع الحس فسمعه ، فأتاه حتى وجده نائما فقتله ، وضع السيف على صدره ، ثم اتكأ عليه فقتله ثم حملوا على الحي فصاح الحي يا أحمر بأسا ، فلا شيء لأحمر بأسا ، قد قتل - فنالوا من الحي حاجتهم ، ثم انصرفوا وتشاغل الناس بالإسلام ، فلما كان بعد الفتح بيوم دخل جنيدب بن الأدلع الهذلي مكة يرتاد وينظر والناس آمنون ، فرآه جندب بن الأعجم الأسلمي فقال : جنيدب بن الأدلع قاتل أحمر بأسا ؟ قال : نعم فمه ، فخرج جندب يستجيش عليه حيه ، فكان أول من لقي خراش بن أمية الكعبي فأخبره . فاشتمل خراش على السيف ثم أقبل إليه - والناس حوله ، وهو يحدثهم عن قتل أحمر بأسا فبينما هم مجتمعون عليه إذ أقبل خراش بن أمية فقال : هكذا عن الرجل . فو الله ما ظن الناس إلا أنه يفرج الناس عنه لينصرفوا ، فانفرجوا فحمل عليه خراش بن أمية بالسيف فطعنه به في بطنه وابن الأدلع مستند إلى جدار من جدر مكة ، فجعلت حشوته تسيل من بطنه ، وإن عينيه لتزنقان في رأسه ، وهو يقول : فعلتموها يا معشر خزاعة ؟ فانجعف فوقع فمات .

            فسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال : «يا معشر خزاعة” ارفعوا أيديكم عن القتل ، فقد كثر القتل ، لقد قتلتم قتيلا لأدينه ، إن خراشا لقتال - يعيبه بذلك .

            لو كنت قاتلا مؤمنا بكافر لقتلت خراشا
            .

            وروى الشيخان والترمذي عن ابن شريح خويلد بن عمرو العدوي ، والشيخان عن ابن عباس ، وابن منيع بسند صحيح ، وابن أبي عمرو . والإمام أحمد ، والبيهقي عن ابن عمر ، وابن أبي شيبة ، والشيخان عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - وابن أبي شيبة عن الزهري ، وابن إسحاق عن بعض أهل العلم ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، قالوا : لما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه - وهو مشرك - فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا بعد الظهر ، وأسند ظهره إلى الكعبة .

            وعند ابن أبي شيبة عن أبي هريرة : أنه - صلى الله عليه وسلم - ركب راحلته فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : «أيها الناس إن الله تعالى حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ويوم خلق الشمس والقمر ، ووضع هذين الجبلين ، ولم يحرمها الناس ، فهي حرام إلى يوم القيامة ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك فيها دما ولا يعضد فيها شجرا ، لم تحل لأحد كان قبلي ، ولم تحل لأحد يكون بعدي ، ولم تحل لي إلا هذه الساعة غضبا على أهلها - ألا قد رجعت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد منكم الغائب ، فمن قال لكم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قاتل فيها فقولوا له : إن الله تعالى قد أحلها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يحلها لكم ، أيها الناس ، إن أعدى الناس على الله من قتل في الحرم ، أو قتل غير قاتله ، أو قتل بذحول الجاهلية ، يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل فقد والله كثر إن نفع ، فقد قتلتم قتيلا لأدينه ، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين إن شاءوا فديته كاملة ، وإن شاءوا فقتله ثم ودى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الرجل الذي قتلته خزاعة .
            [ أول قتيل وداه الرسول يوم الفتح ]

            قال ابن هشام : وبلغني أن أول قتيل وداه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح جنيدب بن الأكوع ، قتلته بنو كعب ، فوداه بمئة ناقة .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية