الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            قوله - صلى الله عليه وسلم - لا هجرة بعد الفتح

            وذلك أن مكة شرفها الله تعالى كانت قبل الفتح دار حرب ، وكانت الهجرة منها واجبة إلى المدينة ، فلما فتحت مكة صارت دار إسلام ، فانقطعت الهجرة منها .

            عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح فتح مكة : «لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا” رواه الشيخان .

            وعن عطاء بن أبي رباح - رحمه الله تعالى - قال : زرت عائشة - رضي الله عنها - مع عبيد بن عمير الليثي ، وهي مجاورة بثبير فسألها عن الهجرة فقالت : «لا هجرة اليوم ، كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله ورسوله مخافة أن يفتن عنه ، فأما اليوم فقد أظهر الله تعالى الإسلام ، فالمؤمن يعبد ربه حيث كان ، ولكن جهاد ونية” . رواه الشيخان .

            وعن يعلى بن صفوان بن أمية - رضي الله عنهما - قال : جئت بأبي يوم الفتح ، فقلت : يا رسول الله بايع أبي على الهجرة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «بل أبايعه على الجهاد ، فقد انقضت الهجرة” . رواه الإمام أحمد والنسائي .

            وروى ابن أبي أسامة عن مجاهد - مرسلا . قال : جاء يعلى بن صفوان بن أمية - رضي الله عنهما - بعد الفتح فقال : يا رسول الله - اجعل لأبي نصيبا في الهجرة ، فقال : «لا هجرة بعد اليوم” فأتى العباس فقال : يا أبا الفضل ، ألست قد عرفت بلائي ؟ قال : بلى ، وماذا ؟ قال : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأبي ليبايعه على الهجرة فأبى ، فقام العباس معه في قيظ ما عليه رداء ، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاك يعلى بأبيه لتبايعه على الهجرة فلم تفعل ، فقال : إنه لا هجرة اليوم” قال : أقسمت عليك يا رسول الله لتبايعه ، فمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده فبايعه فقال : «قد أبررت عمي ولا هجرة” . وقال الإمام أحمد : ثنا عفان ، ثنا وهيب ، ثنا ابن طاوس ، عن أبيه ، عن صفوان بن أمية أنه قيل له : إنه لا يدخل الجنة إلا من هاجر . فقلت له : لا أدخل منزلي حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله . فأتيته فذكرت له فقال : لا هجرة بعد فتح مكة ، ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم فانفروا تفرد به أحمد .

            وقال البخاري : ثنا محمد بن أبي بكر ، ثنا الفضيل بن سليمان ، ثنا عاصم ، عن أبي عثمان النهدي ، عن مجاشع بن مسعود قال : انطلقت بأبي معبد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه على الهجرة ، فقال : مضت الهجرة لأهلها ، أبايعه على الإسلام والجهاد فلقيت أبا معبد فسألته ، فقال : صدق مجاشع . وقال خالد ، عن أبي عثمان عن مجاشع ، أنه جاء بأخيه مجالد .

            وقال البخاري : ثنا عمرو بن خالد ، ثنا زهير ، ثنا عاصم ، عن أبي عثمان قال : حدثني مجاشع قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخي بعد يوم الفتح فقلت : يا رسول الله ، جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة ، قال : " ذهب أهل الهجرة بما فيها " فقلت : على أي شيء تبايعه ؟ قال : " أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد فلقيت أبا معبد بعد ، وكان أكبرهما سنا ، فسألته ، فقال : صدق مجاشع .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية