الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي: هذا باب فيه ذكر قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا هكذا وقع في رواية الكل غير أبي ذر، وفي روايته " باب يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص " الآية، قال الفراء: نزلت هذه الآية في حيين من العرب كان لأحدهما طول على الآخر في الكثرة والشرف، فكانوا يتزوجون نساءهم بغير مهر، فقتل الأوضع من الحيين من الشريف قتلى، فأقسم الشريف ليقتلن الذكر بالأنثى والحر بالعبد وأن يضاعفوا الجراحات، فأنزل الله تعالى هذا على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ثم نسخ أيضا، نسخه قوله تعالى وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس إلى آخر الآية، فالأولى منسوخة لا يعمل بها ولا يحكم، ومذهب أبي حنيفة أن الحر يقتل بالعبد بهذه الآية، وإليه ذهب الثوري وابن أبي ليلى وداود، وهو مروي عن علي وابن مسعود وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي [ ص: 101 ] وقتادة والحكم، وعن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعطاء وعكرمة، وهو مذهب الشافعي ومالك أن الحر لا يقتل بالعبد، والذكر لا يقتل بالأنثى - أخذا بهذه الآية، أعني قوله الحر بالحر والعبد بالعبد وقد قلنا: إنها منسوخة.

                                                                                                                                                                                  قوله: كتب عليكم القصاص " ذكر الواحدي أن معناه في اللغة المماثلة والمساواة. وقال ابن الحصار: القصاص المساواة والمجازاة، والمراد به العدل في الأحكام، وهذا حكم الله عز وجل الذي لم يزل ولا يزال أبدا، فلا نسخ فيه ولا تبديل له، والمراد بآية المائدة تبين العدل في تكافئ الدماء في الجملة وترك التفاضل لاجتهاد العلماء، وعلى هذا فليس بينهما تعارض.

                                                                                                                                                                                  قلنا: الأنسب عموم آية المائدة، وفيها مقابلة مطلقة، وهذه الآية فيها مقابلة مقيدة فلا يحمل المطلق على المقيد، على أن مقابلة الحر بالحر لا ينافي مقابلة الحر بالعبد؛ لأنه ليس فيه إلا ذكر بعض ما يشمله العموم على موافقة حكمه، وذلك لا يوجب تخصيص ما بقي.

                                                                                                                                                                                  قوله: "عفي ترك" أشار به إلى تفسير قوله: فمن عفي له من أخيه شيء " أي فمن ترك وصفح له من الواجب عليه في العمد فرضي بالدية فاتباع بالمعروف " أي فعلى القتيل أن يتبع بالمعروف في المطالبة وترك التشديد على القاتل.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية