الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين ( 35 ) )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : إن الذين يكذبونك من هؤلاء الكفار يا محمد - فيحزنك تكذيبهم إياك - لو أشاء أن أجمعهم على استقامة من الدين ، وصواب من محجة الإسلام - حتى تكون كلمة جميعكم واحدة ، وملتكم وملتهم واحدة - لجمعتهم على ذلك ، ولم يكن بعيدا علي ؛ لأني القادر على ذلك بلطفي ، ولكني لم أفعل ذلك لسابق علمي في خلقي ، ونافذ قضائي فيهم من قبل أن أخلقهم وأصور أجسامهم " فلا تكونن " يا محمد " من الجاهلين " يقول : [ ص: 340 ] فلا تكونن ممن لا يعلم أن الله لو شاء لجمع على الهدى جميع خلقه بلطفه ، وأن من يكفر به من خلقه إنما يكفر به لسابق علم الله فيه ، ونافذ قضائه بأنه كائن من الكافرين به اختيارا لا اضطرارا ، فإنك إذا علمت صحة ذلك لم يكبر عليك إعراض من أعرض من المشركين عما تدعوه إليه من الحق ، وتكذيب من كذبك منهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

13205 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : يقول الله سبحانه : لو شئت لجمعتهم على الهدى أجمعين .

قال أبو جعفر : وفي هذا الخبر من الله - تعالى ذكره - الدلالة الواضحة على خطأ ما قال أهل التفويض من القدرية المنكرون أن يكون عند الله لطائف لمن شاء توفيقه من خلقه ، يلطف بها له حتى يهتدي للحق ، فينقاد له ، وينيب إلى الرشاد فيذعن به ويؤثره على الضلال والكفر بالله . وذلك أنه - تعالى ذكره - أخبر أنه لو شاء الهداية لجميع من كفر به حتى يجتمعوا على الهدى فعل . ولا شك أنه لو فعل ذلك بهم كانوا مهتدين لا ضلالا . وهم لو كانوا مهتدين كان - لا شك أن كونهم مهتدين كان - خيرا لهم . وفي تركه - تعالى ذكره - أن يجمعهم على الهدى ترك منه أن يفعل بهم في دينهم بعض ما هو خير لهم فيه ، مما هو قادر على فعله بهم ، وقد [ ص: 341 ] ترك فعله بهم . وفي تركه فعل ذلك بهم أوضح الدليل أنه لم يعطهم كل الأسباب التي بها يصلون إلى الهداية ، ويتسببون بها إلى الإيمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية