الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون ( 36 ) )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : لا يكبرن عليك إعراض هؤلاء المعرضين عنك ، وعن الاستجابة لدعائك إذا دعوتهم إلى توحيد ربهم والإقرار بنبوتك ، فإنه لا يستجيب لدعائك - إلى ما تدعوه إليه من ذلك - إلا الذين فتح الله أسماعهم للإصغاء إلى الحق ، وسهل لهم اتباع الرشد ، دون من ختم الله على سمعه ، فلا يفقه من دعائك إياه إلى الله وإلى اتباع الحق إلا ما تفقه الأنعام من أصوات رعاتها ، فهم كما وصفهم به الله - تعالى ذكره - : صم بكم عمي فهم لا يعقلون [ سورة البقرة : 171 ] " والموتى يبعثهم الله " يقول : والكفار يبعثهم الله مع الموتى ، فجعلهم - تعالى ذكره - في عداد الموتى الذين لا يسمعون صوتا ، ولا يعقلون دعاء ، ولا يفقهون قولا إذ كانوا لا يتدبرون حجج الله ، ولا يعتبرون آياته ، ولا يتذكرون فينزجرون عما هم عليه من تكذيب رسل الله وخلافهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 342 ]

13206 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " إنما يستجيب الذين يسمعون " المؤمنون للذكر " والموتى " الكفار ، حين يبعثهم الله مع الموتى .

13207 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

13208 - حدثني بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " إنما يستجيب الذين يسمعون " قال : هذا مثل المؤمن ، سمع كتاب الله فانتفع به وأخذ به وعقله . والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم ، وهذا مثل الكافر أصم أبكم ، لا يبصر هدى ولا ينتفع به .

13209 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان الثوري ، عن محمد بن جحادة ، عن الحسن : " إنما يستجيب الذين يسمعون " المؤمنون " والموتى " قال : الكفار .

13210 - حدثني ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن جحادة قال : سمعت الحسن يقول في قوله : " إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله " قال : الكفار .

وأما قوله : " ثم إليه يرجعون " فإنه يقول - تعالى ذكره - : ثم إلى الله يرجع المؤمنون الذين استجابوا لله والرسول ، والكفار الذين يحول الله بينهم وبين أن يفقهوا عنك شيئا ، فيثيب هذا المؤمن على ما سلف من صالح عمله في الدنيا بما وعد أهل الإيمان به من الثواب ، ويعاقب هذا الكافر بما أوعد أهل الكفر به من العقاب ، لا يظلم أحدا منهم مثقال ذرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية