الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل [ الحكمة في التفرقة بين الخيل والإبل في الزكاة ]

وأما قوله : " أوجب الزكاة في خمس من الإبل وأسقطها عن آلاف من الخيل " فلعمر الله إنه أوجب الزكاة في هذا الجنس دون هذا كما في سنن أبي داود من حديث عاصم بن ضمرة عن علي كرم الله وجهه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { قد عفوت عن الخيل والرقيق ، فهاتوا صدقة الرقة ; من كل أربعين درهما درهم ، وليس في تسعين ومائة شيء ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم } ورواه سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي .

وقال بقية : حدثني أبو معاذ الأنصاري عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة يرفعه : { عفوت لكم عن صدقة الجبهة ، والكسعة والنخة } قال بقية : الجبهة : الخيل ، والكسعة : البغال والحمير ، والنخة : المربيات في البيوت ، وفي كتاب عمرو بن حزم : " لا صدقة في الجبهة والكسعة ، والكسعة الحمير ، والجبهة : الخيل " .

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : { ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة }

والفرق بين الخيل والإبل أن الخيل تراد لغير ما تراد له الإبل ; فإن الإبل تراد للدر والنسل والأكل وحمل الأثقال والمتاجر والانتقال عليها من بلد إلى بلد ، وأما الخيل فإنما خلقت للكر والفر والطلب والهرب ، وإقامة الدين ، وجهاد أعدائه .

وللشارع قصد أكيد في [ ص: 69 ] اقتنائها وحفظها والقيام عليها ، وترغيب النفوس في ذلك بكل طريق ، ولذلك عفا عن أخذ الصدقة منها ; ليكون ذلك أرغب للنفوس فيما يحبه الله ورسوله من اقتنائها ورباطها ، وقد قال الله تعالى : { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } فرباط الخيل من جنس آلات السلاح والحرب ، فلو كان عند الرجل منها ما عساه أن يكون ولم يكن للتجارة لم يكن عليه فيه زكاة ، بخلاف ما أعد للنفقة ; فإن الرجل إذا ملك منه نصابا ففيه الزكاة ، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا بعينه في قوله : { قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق ، فهاتوا صدقة الرقة } أفلا تراه كيف فرق بين ما أعد للإنفاق وبين ما أعد لإعلاء كلمة الله ونصر دينه وجهاد أعدائه ؟ فهو من جنس السيوف والرماح والسهام ، وإسقاط الزكاة في هذا الجنس من محاسن الشريعة وكمالها .

التالي السابق


الخدمات العلمية