الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الاقتصار على بعض الحديث .


( 635 ) وحذف بعض المتن فامنع أو أجز أو إن أتم أو لعالم ومز      ( 636 ) ذا بالصحيح إن يكن ما اختصره
منفصلا عن الذي قد ذكره      ( 637 ) وما لذي تهمة أن يفعله
فإن أبى فجاز ألا يكمله      ( 638 ) أما إذا قطع في الأبواب
فهو إلى الجواز ذو اقتراب

[ عدم جواز اختصار الحديث ] :

الفصل الرابع : الاقتصار في الرواية على بعض الحديث ، وربما عبر عنه بالاختصار مجازا ، وتفريق الحديث الواحد [ ص: 150 ] على الأبواب .

( وحذف ) بالنصب مفعول مقدم ( بعض المتن ) أي : الحديث مما لا تعلق له بالمثبت ( فامنع ) إن كان لغير شك مطلقا ، سواء تقدمت روايته له تاما أم لا ، كان عارفا بما يحصل به الخلل في ذلك أم لا ، بناء - كما قال ابن الصلاح ومن تبعه وإن توقف فيه البدر بن جماعة - على منع الرواية بالمعنى مطلقا ; لأن رواية الحديث على النقصان ، والحذف لبعض متنه ، تقطع الخبر وتغيره عن وجهه ، وربما حصل الخلل والمختصر لا يشعر .

قال عنبسة : قلت لابن المبارك : علمت أن حماد بن سلمة كان يريد أن يختصر الحديث فيقلب معناه .

قال : فقال لي : أو فطنت له ؟ وقال أبو عاصم النبيل : إنهم يخطئون فحسمت المادة لذلك . هذا الإمام أبو حاتم بن حبان ، وناهيك به ، وقد ترجم في ( صحيحه ) : " إيجاب دخول النار لمن أسمع أهل الكتاب ما يكرهون " ، وساق فيه حديث أبي موسى الأشعري بلفظ : ( من سمع يهوديا أو نصرانيا دخل النار ) . وتبعه غيره ، فاستدل به على تحريم غيبة الذمي ، وكل هذا خطأ ، فلفظ الحديث : ( من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني فلم يؤمن بي دخل النار ) .

وكذا ترجم المحب الطبري في ( أحكامه ) " الوليمة على الأخوة " ، وساق حديث أنس : قدم عبد الرحمن بن عوف فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع ، لكون البخاري أورده في بعض الأماكن من ( صحيحه ) باختصار قصة التزويج [ ص: 151 ] مقتصرا على الإخاء والأمر بالوليمة ، ففهم منه أن الوليمة للأخوة ، وليس كذلك ، والحديث قد أورده البخاري تاما في أماكن كثيرة ، وليست الوليمة فيه إلا للنكاح جزما .

وحكي عن الخليل بن أحمد . واحتج له بقوله صلى الله عليه وسلم : ( فبلغه كما سمعه ) . وعن مالك فيما رواه عنه يعقوب بن شيبة أنه كان لا يرى أن يختصر الحديث إذا كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . يعني دون غيره .

كما صرح به أشهب إذ قال : سألت مالكا عن الأحاديث يقدم فيها ويؤخر والمعنى واحد ، قال : أما ما كان منها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أكره ذلك ، وأكره أن يزاد فيها وينقص منها ، وما كان من قول غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا أرى بذلك بأسا إذا كان المعنى واحدا . بل كان عبد الملك بن عمير وغيره لا يستجيزون أن يحذف منه حرف واحد .

فإن كان لشك فهو - كما قال ابن كثير وتبعه البلقيني وغيره - سائغ ، كان مالك يفعله كثيرا تورعا ، بل كان يقطع إسناد الحديث إذا شك في وصله ، ونقل أيضا عن ابن علية ، نعم إن تعلق المشكوك فيه بالمثبت كقول داود بن حصين في حديث الرخصة في العرايا : ( في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق ) ، فلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية