الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        تحبس الحامل في القصاص إلى أن يمكن الاستيفاء كما ذكرنا فيما إذا كان في المستحقين صبي ، ولو كان عليها رجم ، أو غيره من حدود الله تعالى ، لم تحبس على الصحيح ، لأنه على التخفيف ، وقيل : تحبس ، كالقصاص ، قال الإمام : وإطلاق هذا الوجه بعيد .

                                                                                                                                                                        والأقرب أنه مخصوص بما إذا ثبت بالبينة ، فإن ثبت بالإقرار ، فلا معنى للحبس مع أنه بعرض السقوط بالرجوع .

                                                                                                                                                                        [ ص: 227 ] فرع .

                                                                                                                                                                        جميع ما ذكرناه إذا ثبت الحمل بإقرار المستحق ، أو شهادة النسوة ، فلو ادعت الجانية الحمل ، هل يمتنع عنها بمجرد دعواها ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قال الإصطخري : لا ، وقال الجمهور : نعم وهو الصحيح .

                                                                                                                                                                        قال الإمام : ولا أدري أيقول هؤلاء بالصبر إلى انقضاء مدة الحمل أم إلى ظهور المخايل ، والأرجح الثاني ، فإن التأخير أربع سنين من غير ثبت بعيد ، قال الغزالي : فعلى قول الإصطخري : لا يمكن الاقتصاص من منكوحة يخالطها زوجها ، وهذا إن أراد به إذا ادعت الحمل ، فهو كذلك ، وإن أراد الامتناع بمجرد المخالطة والوطء بغير دعواها ، فليس كذلك ، لأن الأصل عدم الحمل .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        إذا قتلت الحامل على خلاف ما أمرنا به ، نظر ، إن بادر إليه الولي مستقلا ، أثم ووجبت غرة الجنين إن انفصل ميتا ، وتكون على عاقلة الولي ، وإن انفصل حيا متألما فمات ، وجبت الدية ، وإن أذن له الإمام في قتلها ، فقتلها ، فنتكلم في ثلاثة أشياء .

                                                                                                                                                                        أحدها : الإثم وهو تبع للعلم فإن علم الولي والإمام بالحمل ، أثما ، وإن جهلا ، فلا ، وإن علم أحدهما ، اختص بالإثم .

                                                                                                                                                                        الثاني : الضمان ، فإن لم ينفصل الجنين ، فلا ضمان ، وإن انفصل ميتا ، ففيه الغرة والكفارة ، وإن انفصل حيا متألما فمات به ، ففيه دية وكفارة . وإن انفصل سليما ، ثم مات ، لم يجب فيه شيء .

                                                                                                                                                                        الثالث : فيمن عليه الضمان ، فإن كان الإمام والولي عالمين أو جاهلين ، فالصحيح المنصوص أن الضمان على الإمام ، لأن البحث عليه ، وهو الأمر به ، وقيل : على الولي ، لأنه المباشر ، وقيل : [ ص: 228 ] عليهما بالسوية ، وإن كان الإمام عالما ، والولي جاهلا ، فإن أوجبنا الضمان إذا علما على الإمام ، فهنا أولى ، وإلا فوجهان .

                                                                                                                                                                        وإن كان الولي عالما والإمام جاهلا ، فالصحيح أن الضمان على الولي ، وقيل : على الإمام لتقصيره .

                                                                                                                                                                        وحيث ضمنا الولي ، فالغرة على عاقلته ، والكفارة في ماله ، وحيث ضمنا الإمام ، فإن كان عالما ففي ماله ، وإن كان جاهلا ، فعلى القولين في أن ما يجب بخطأ الإمام في الاجتهاد ، هل هو على عاقلته أم في بيت المال ؟ أظهرهما وهو المنصوص هنا : أنه على عاقلته ، وبه قطع ابن سلمة وأبو علي الطبري ، وإذا قلنا : الدية والغرة في بيت المال ، ففي الكفارة وجهان ، لقربها من القربات ، وبعدها من التحمل .

                                                                                                                                                                        ولو باشر القتل نائب الإمام ، أو جلاده دون الولي ، فإن كان جاهلا ، فلا ضمان عليه بحال ، لأنه سيف الإمام ، وإن كان عالما ، فخلاف مرتب على ما إذا أذن الإمام للولي وعلم الولي ، وأولى بأن لا ضمان ، لأنه آلة الإمام ، ولهذا لا كفارة عليه إذا جرى على يده قتل بغير حق .

                                                                                                                                                                        وهل يؤثر علم الولي مع الجلاد ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : نعم ، حتى إذا كانوا عالمين ، ضمنوا أثلاثا ، هذا كله في ضمان الجنين ، أما الأم فلا يجب ضمانها ، لأنها تلفت في حد أو عقوبة عليها ، قال البغوي : هذا إذا ماتت بألم الضرب .

                                                                                                                                                                        فإن ماتت بألم الولادة ، وجبت ديتها ، وإن ماتت منهما ، وجب نصف ديتها والمراد إذا ضربها في الحد ، فأفضى إلى الإجهاض وماتت .

                                                                                                                                                                        فرع .

                                                                                                                                                                        إذا لم يعلم الإمام الحمل فأذن للولي في القتل ، ثم علم ، فرجع عن الإذن ، ولم يعلم الولي رجوعه ، فقتل ، فعلى من الضمان ؟ .

                                                                                                                                                                        يبنى ذلك على ما إذا عفا الموكل عن القصاص ولم يعلم الوكيل ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        [ ص: 229 ] فرع .

                                                                                                                                                                        ليس المراد مما أطلقناه من العلم بالحمل وعدمه ، حقيقة العلم ، بل المراد ظن مؤكد بمخايله وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية