الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا )

                                                                                                                                                                                                                                            وجه النظم هو أنه تعالى بين أن في الآخرة لا يجري على أحد ظلم ، وأنه تعالى يجازي المحسن على إحسانه ويزيده على قدر حقه ، فبين تعالى في هذه الآية أن ذلك يجري بشهادة الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق ، لتكون الحجة على المسيء أبلغ ، والتبكيت له أعظم ، وحسرته أشد ، ويكون سرور من قبل ذلك من الرسول وأظهر الطاعة أعظم ، ويكون هذا وعيدا للكفار الذين قال الله فيهم : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة ) ووعدا للمطيعين الذين قال الله فيهم : ( وإن تك حسنة يضاعفها ) . وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لابن مسعود : " اقرأ القرآن علي " قال : فقلت : يا رسول الله أنت الذي علمتنيه فقال : " أحب أن أسمعه من غيري " قال ابن مسعود : فافتتحت سورة النساء ، فلما انتهيت إلى هذه الآية بكى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال ابن مسعود : فأمسكت عن القراءة . وذكر السدي أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - يشهدون للرسل بالبلاغ ، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يشهد لأمته بالتصديق ؛ فلهذا قال : ( جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [ البقرة : 143 ] وحكي عن عيسى - عليه السلام - أنه قال : ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ) [ المائدة : 117 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : من عادة العرب أنهم يقولون في الشيء الذي يتوقعونه : كيف بك إذا كان كذا وكذا ، وإذا فعل فلان كذا ، وإذا جاء وقت كذا ، فمعنى هذا الكلام : كيف ترون يوم القيامة إذا استشهد الله على كل أمة برسولها ، واستشهدك على هؤلاء ؟ يعني قومه المخاطبين بالقرآن الذين شاهدهم وعرف أحوالهم . ثم إن أهل كل عصر يشهدون على غيرهم ممن شاهدوا أحوالهم ، وعلى هذا الوجه قال عيسى - عليه السلام : ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ) [ المائدة : 117 ]

                                                                                                                                                                                                                                            .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية