الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي: هذا باب ذكر فيه أم حسبتم " إلى آخره، ذكر عبد الرزاق في تفسيره عن قتادة: نزلت هذه الآية في يوم أصاب النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - يومئذ وأصحابه بلاء وحصر، قاله القرطبي، وهو قول أكثر المفسرين، قال: وقيل نزلت في يوم أحد، وقيل نزلت تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين وآثروا رضا الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: أم حسبتم " قد علم في النحو أن أم على نوعين:

                                                                                                                                                                                  متصلة وهي التي تتقدمها همزة التسوية، نحو سواء علينا أجزعنا أم صبرنا " وسميت متصلة؛ لأن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر.

                                                                                                                                                                                  ومنقطعة وهي التي لا يفارقها معنى الإضراب، وزعم ابن الشجري عن جميع البصريين أنها أبدا بمعنى بل، وهي مسبوقة بالخبر المحض، نحو تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه " ومسبوقة بهمزة لغير الاستفهام، نحو ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها " إذ الهمزة فيها للإنكار، ثم إن أم هذه قد اختلفوا فيها; فقال الزجاج: معناها بل حسبتم، وقال الزمخشري: منقطعة، ومعنى الهمزة فيها للتقرير، وفي تفسير الجوزي: أم هنا للخروج من حديث إلى حديث، وفي تفسير ابن أبي السنان: أم هذه متصلة بما قبلها؛ لأن الاستفهام لا يكون في ابتداء الكلام، فلا يقال: "أم عندك خبر" بمعنى عندك.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 115 ] وقيل: هي معطوفة على استفهام محذوف مقدم، أي: أعلمتم أن الجنة حفت بالمكاره أم حسبتم أن تدخلوا الجنة بغير مكروه.

                                                                                                                                                                                  قوله: ولما يأتكم " كلمة لما لنفي لم يفعل وكلمة لم لنفي فعل.

                                                                                                                                                                                  قوله: مثل الذين خلوا " أي صفة الذين مضوا من قبلكم من النبيين والمؤمنين، وفيه إضمار، أي: مثل محنة الذين، أو مصيبة الذين مضوا.

                                                                                                                                                                                  قوله: مستهم البأساء والضراء " أي الأمراض والأسقام والآلام والمصائب والنوائب. وقال ابن عباس وابن مسعود وأبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير ومرة الهمداني والحسن وقتادة والضحاك والربيع والسدي ومقاتل بن حيان: البأساء الفقر، وقال ابن عباس: الضراء السقم.

                                                                                                                                                                                  قوله: وزلزلوا " أي وأزعجوا إزعاجا شديدا شبيها بالزلزلة بما أصابهم من الأهوال والأفزاع.

                                                                                                                                                                                  قوله: حتى يقول الرسول " يعني: إلى الغاية التي يقول الرسول ومن معه فيها: متى نصر الله، يعني: بلغ منهم الجهد إلى أن استبطأوا النصر، وقالوا: متى ينزل نصر الله، قال مقاتل: الرسول هو اليسع، واسمه شعيا، والذين آمنوا حزقيا الملك حين حضر القتال ومن معه من المؤمنين، وأن ميشا بن حزقيا قتل اليسع عليه الصلاة والسلام.

                                                                                                                                                                                  وقال الكلبي: هذا في كل رسول بعث إلى أمته، وعن الضحاك: يعني محمدا عليه الصلاة والسلام، وقال القرطبي: وعليه يدل نزول الآية الكريمة.

                                                                                                                                                                                  وأكثر المتأولين على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين، أي بلغ بهم الجهد حتى استبطأوا النصر، فقال الله عز وجل ألا إن نصر الله قريب ويكون ذلك من قول الرسول على طلب استعجال النصر، لا على شك وارتياب.

                                                                                                                                                                                  وقالت طائفة: في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: يقول الذين آمنوا: متى نصر الله، فيقول الرسول ألا إن نصر الله قريب فقدم الرسول في الرتبة لمكانته، ولم يقدم المؤمنين؛ لأنه المقدم في الزمان.

                                                                                                                                                                                  و"يقول" بالرفع والنصب; فقراءة القراء بالنصب إلا مجاهدا - قاله الفراء، وبعض أهل المدينة رفعوه، وقال الزمخشري: النصب على إضمار أن، والرفع على أنه في معنى الحال، كقولك: شربت الإبل حتى يجيء البعير، حتى يجر بطنه إلا أنها حال ماضية محكية.

                                                                                                                                                                                  قوله: ألا إن نصر الله قريب " أي قيل لهم: إن نصر الله قريب - إجابة لهم إلى طلبهم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية