الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 356 ] القول في تأويل قوله ( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ( 43 ) )

قال أبو جعفر : وهذا أيضا من الكلام الذي فيه متروك استغني بدلالة الظاهر عن ذكر ما ترك . وذلك أنه - تعالى ذكره - أخبر عن الأمم التي كذبت رسلها أنه أخذهم بالبأساء والضراء ليتضرعوا له ، ثم قال : " فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا " ولم يخبر عما كان منهم من الفعل عند أخذه إياهم بالبأساء والضراء . ومعنى الكلام : " ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون " فلم يتضرعوا ، " فلولا إذا جاءهم بأسنا تضرعوا " .

ومعنى : " فلولا " في هذا الموضع ، فهلا . والعرب إذ أولت " لولا " اسما مرفوعا ، جعلت ما بعدها خبرا ، وتلقتها بالأمر ، فقالت : " فلولا أخوك لزرتك " و " لولا أبوك لضربتك " وإذا أولتها فعلا أو لم تولها اسما ، جعلوها استفهاما فقالوا : " لولا جئتنا فنكرمك " و " لولا زرت أخاك فنزورك " بمعنى : " هلا " كما قال - تعالى ذكره - : لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق [ سورة المنافقون : 10 ] . وكذلك تفعل ب " لوما " مثل فعلها ب " لولا " .

فتأويل الكلام إذا : فهلا إذ جاء بأسنا هؤلاء الأمم المكذبة رسلها ، الذين لم يتضرعوا عند أخذنا إياهم بالبأساء والضراء " تضرعوا " فاستكانوا لربهم ، وخضعوا لطاعته ، فيصرف ربهم عنهم بأسه ، وهو عذابه . [ ص: 357 ]

وقد بينا معنى " البأس " في غير هذا الموضع ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .

" ولكن قست قلوبهم " يقول : ولكن أقاموا على تكذيبهم رسلهم ، وأصروا على ذلك ، واستكبروا عن أمر ربهم ، استهانة بعقاب الله ، واستخفافا بعذابه ، وقساوة قلب منهم . " وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون " يقول : وحسن لهم الشيطان ما كانوا يعملون من الأعمال التي يكرهها الله ويسخطها منهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية