الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم . وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد [ ص: 156 ] سوء فإني غفور رحيم . وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إنه أنا الله الهاء عماد في قول أهل اللغة ; وعلى قول السدي : هي كناية عن المنادي ، لأن موسى قال : من هذا الذي يناديني؟ فقيل : إنه أنا الله

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وألق عصاك في الآية محذوف ، تقديره : فألقاها فصارت حية ، فلما رآها تهتز كأنها جان قال الفراء : الجان : الحية التي ليست بالعظيمة ولا بالصغيرة .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولم يعقب فيه قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : لم يلتفت ، قاله قتادة . والثاني : لم يرجع ، قاله ابن قتيبة ، والزجاج قال ابن قتيبة : وأهل النظر يرون أنه مأخوذ من العقب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إني لا يخاف لدي المرسلون : أي : لا يخافون عندي . وقيل : المراد : في الموضع الذي يوحي إليهم فيه ، فكأنه نبهه على أن من أمنه الله بالنبوة من عذابه لا ينبغي أن يخاف من حية .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي قوله : إلا من ظلم ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها : أنه استثناء صحيح ، قاله الحسن ، وقتادة ، ومقاتل ; والمعنى : إلا من ظلم منهم فإنه يخاف . قال ابن قتيبة : علم الله تعالى أن موسى مستشعر [ ص: 157 ] خيفة من ذنبه في الرجل الذي وكزه ، فقال : إلا من ظلم ثم بدل حسنا أي : توبة وندما ، فإنه يخاف ، وإني غفور رحيم .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أنه استثناء منقطع ; والمعنى : لكن من ظلم فإنه يخاف ، قاله ابن السائب ، والزجاج . وقال الفراء : " من " مستثناة من الذين تركوا في الكلام ، كأنه قال : لا يخاف لدي المرسلون ، إنما الخوف على غيرهم ، إلا من ظلم ، فتكون " من " مستثناة . وقال ابن جرير : في الآية محذوف ، تقديره : إلا من ظلم ، فمن ظلم ثم بدل حسنا .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أن " إلا " بمعنى الواو ، فهو كقوله : لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم [البقرة : 150] ، حكاه الفراء عن بعض النحويين ، ولم يرضه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبي بن كعب ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وعاصم الجحدري ، وابن يعمر : " ألا من ظلم " بفتح الهمزة وتخفيف اللام .

                                                                                                                                                                                                                                      وللمفسرين في المراد بالظلم هاهنا قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما : المعاصي . والثاني : الشرك . ومعنى " حسنا " :توبة وندما .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن مسعود ، والضحاك ، وأبو رجاء ، والأعمش ، وابن السميفع ، وعبد الوارث عن أبي عمرو : " حسنا " بفتح الحاء والسين . بعد سوء أي : بعد إساءة . وقيل : الإشارة بهذا إلى أن موسى وإن كان [قد] ظلم نفسه بقتل القبطي ، فإن الله يغفر له ، لأنه ندم على ذلك وتاب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 158 ] قوله تعالى: وأدخل يدك في جيبك الجيب حيث جيب من القميص ، أي : قطع . قال ابن جرير : إنما أمر بإدخاله يده في جيبه ، لأنه كان عليه حينئذ مدرعة من صوف ليس لها كم . والسوء : البرص .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: في تسع آيات قاله الزجاج : " في " من صلة قوله : وألق عصاك وأدخل يدك ، فالتأويل : أظهر هاتين الآيتين في تسع آيات . و " في " بمعنى " من " ، فتأويله : من تسع آيات ; تقول : خذ لي عشرا من الإبل فيها فحلان ، أي : منها فحلان . وقد شرحنا الآيات في (بني إسرائيل : 101) .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: إلى فرعون وقومه أي : مرسلا إلى فرعون وقومه ، فحذف ذلك لأنه معروف . فلما جاءتهم آياتنا مبصرة أي : بينة واضحة ، وهو كقوله : وآتينا ثمود الناقة مبصرة [الإسراء : 59] وقد شرحناه .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: قالوا هذا أي : هذا الذي نراه عيانا سحر مبين . وجحدوا بها أي : أنكروها واستيقنتها أنفسهم أنها من عند الله ، ظلما أي : شركا وعلوا أي : تكبرا . قال الزجاج : المعنى : وجحدوا بها ظلما وعلوا ، أي : ترفعا عن أن يؤمنوا بما جاء به موسى وهم يعلمون أنها من عند الله .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية