الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            كتاب الطلاق والتخيير) عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته ، وهي حائض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها الناس زاد مسلم في رواية تطليقة واحدة وفي رواية له مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا وفي رواية له قال ابن عمر فراجعتها ، وحسبت لها التطليقة التي طلقتها وقال البخاري حسبت علي بتطليقة .

                                                            التالي السابق


                                                            (باب الطلاق والتخيير) (الحديث الأول)

                                                            عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته ، وهي حائض في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء .

                                                            (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) أخرجه البخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والنسائي من هذا الوجه من طريق مالك ، وأخرجه الشيخان ، وأبو داود من طريق الليث بن سعد بلفظ أنه طلق امرأته ، وهي حائض تطليقة واحدة فعزو الشيخ رحمه الله في النسخة الكبرى هذه الرواية لمسلم [ ص: 82 ] وحده فقط فيه نظر فقد عرفت أنها عند البخاري .

                                                            وقال مسلم جود الليث في قوله تطليقة واحدة ، وفي رواية لمسلم من هذا الوجه وكان عبد الله إذا سئل عن ذلك قال لأحدهم أما أنت طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا ، وإن كنت طلقتها ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك ، وعصيت الله فيما أمرك من طلاق امرأتك . وهذه الزيادة عند البخاري أيضا بمعناه أخصر منه ، وأخرجه مسلم والنسائي ، وابن ماجه من طريق عبد الله بن عمر ، وفيه قبل أن يجامعها ، وفي رواية لمسلم قال عبيد الله بن عمر قلت لنافع ما صنعت التطليقة ؟ قال واحدة اعتد بها ، وأخرجه مسلم ، والنسائي من طريق أيوب السختياني ، وفيه كلام ابن عمر الذي قدمناه من طريق الليث أربعتهم عن نافع . وأخرجه مسلم ، وأصحاب السنن الأربعة من طريق محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن سالم عن ابن عمر أنه طلق امرأته ، وهي حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا . وأخرجه مسلم ، والنسائي من طريق الزهري عن سالم عن ابن عمر ، وفيه فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه ، والطلاق للعدة كما أمر الله . وكان عبد الله طلقها تطليقة فحسبت من طلاقها ، وراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي لفظ فيراجعها وحسبت لها التطليقة التي طلقتها . ورواه البخاري من طريق سعيد بن جبير عن ابن عمر قال حسبت علي بتطليقة ، وذكر المزي أن هذه الرواية في البخاري معلقة ، وكلام الشيخ رحمه الله يقتضي أنها مسندة ، وهو الحق فإن البخاري قال فيها .

                                                            وقال أبو معمر ثنا عبد الوارث ثنا أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر ، وأبو معمر هذا من شيوخه فروايته عنه بصيغة قال متصلة لثبوت لقيه له ، وانتفاء التدليس في حقه لا سيما في رواية أبي ذر الهروي ثنا أبو معمر فثبت بذلك اتصال هذه الرواية

                                                            والله أعلم [ ص: 83 ]

                                                            وأخرجه الأئمة الستة من طريق يونس بن جبير قال سألت ابن عمر فقال طلق ابن عمر امرأته ، وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يراجعها ثم يطلق من قبل عدتها قلت تحتسب ، قال أرأيت إن عجز واستحمق . وأخرجه الشيخان من طريق أنس بن سيرين عن ابن عمر ، وفيه فقال ليراجعها قلت فتحتسب قال فمه . وفي لفظ لمسلم (قلت) فاعتددت بتلك التي طلقت ، وهي حائض قال مالي لا أعتد بها ، وإن كنت عجزت واستحمقت ، وأخرجه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي من طريق أبي الزبير عن ابن عمر ، وفيه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليراجعها فردها ، وقال إذا طهرت فليطلق أو ليمسك قال ابن عمر ، وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن . لفظ مسلم ولفظ النسائي فردها علي ، لفظ أبي داود فردها علي ، ولم يرها شيئا ، وقال إذا طهرت فلتطلق أو لتمسك ، وقال أبو داود روى هذا الحديث عن ابن عمر يونس بن جبير ، وأنس بن سيرين ، وسعيد بن جبير ، وزيد بن أسلم ، وأبو الزبير ، ومنصور عن أبي وائل ، ومعناهم كلهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم إن شاء طلق ، وإن شاء أمسك . وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن عن سالم عن ابن عمر .

                                                            وأما رواية الزهري عن سالم ، ونافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ، ثم إن شاء طلق أو أمسك . وروي عن عطاء الخراساني عن الحسن عن ابن عمر نحو رواية نافع ، والزهري ، والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير انتهى .

                                                            وله طرق أخرى لم أذكرها اختصارا ، وقال ابن عبد البر هذا حديث مجمع على صحته من جهة النقل ، ولم يختلف أيضا في ألفاظه عن نافع . ورواه عنه جماعة من أصحابه كما رواه مالك سواء ثم ذكر رواية أبي الزبير ، وقال قوله ، ولم يرها شيئا منكر ، ولم يقله أحد غير أبي الزبير ، وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف بخلاف من هو أثبت منه ، ولو صح لكان معناه عندي ، والله أعلم ، ولم يرها على استقامة أي ولم يرها شيئا مستقيما لأنه لم يمكن طلاقه لها على سنة الله ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وقال الخطابي قال أهل الحديث لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا ، وقد يحتمل أن يكون معناه لم يره شيئا تاما تحرم معه المراجعة ، ولا [ ص: 84 ] تحل له إلا بعد زوج أو لم يره شيئا جائزا في السنة ماضيا في حكم الاختيار ، وإن كان لازما له على سبيل الكراهة .

                                                            (الثانية) هذه المرأة قيل اسمها أمية بنت عقار حكاه النووي في المبهمات .

                                                            (الثالثة) قوله فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك أي ليعرف الحكم فيما وقع ، وفيما يستقبله بعد ذلك فأعلمه حكم ما وقع ، وهو التحريم بتغيظه في ذلك كما في الصحيح من رواية سالم عن ابن عمر فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما تغيظ عليه الصلاة والسلام من فعل محرم قال أبو بكر بن العربي سؤال عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك يحتمل وجوها (منها) أنهم لم يروا قبل هذه النازلة مثلها فأرادوا السؤال ليعلموا الجواب ، ويحتمل أن يكون ذلك معلوما عنده بالقرآن ، وهو قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن

                                                            وقوله والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وقد علم أن هذا ليس بقرء فافتقر إلى معرفة الحكم فيه ، ويحتمل أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وسلم النهي ، والأوسط أقواها انتهى .

                                                            وقال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة : وتغيظه إما لأن المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهرا ، وكان مقتضى الحال التثبت في الأمر أو لأنه كان يقتضي الأمر المشاورة للرسول في مثل ذلك إذا عزم عليه كما حكاه ابن عبد البر ، والنووي ثم قال بعضهم هو تعبد غير معقول المعنى .

                                                            وقال الأكثرون بل معناه تضرر المرأة بتطويل العدة عليها ، وهذا قول من يرى العدة بالأطهار ، وليس في ذلك تطويل عند الحنفية الذين يرون العدة بالحيض فإنهم يعتبرون ثلاث حيض كاملة فالمعنى عندهم أن الأصل في الطلاق الحظر لما فيه من قطع النكاح الذي تعلقت به المصالح الدينية والدنيوية ، وإنما يباح للحاجة ، والمعتبر دليلها ، وهو الإقدام على الطلاق في زمن الرغبة ، وهو الطهر بخلاف الحيض فإنه زمن النفرة فلا يباح فيه الطلاق ، واستثنى أصحابنا من تحريم الطلاق في الحيض صورا (إحداها) أن يطلقها بعوض منها فلو سألته الطلاق ، ورضيت به بلا عوض أو اختلعها أجنبي ففيه لأصحابنا خلاف ، والأصح تحريمه فيهما ، والمشهور عند الحنابلة إباحة الطلاق في الحيض بسؤال المرأة ، وإن لم يكن بعوض قال الرافعي فلو علق طلاقها بما يتعلق باختيارها ففعلته مختارة يحتمل أن يقال [ ص: 85 ] هو كما لو طلقها بسؤالها .

                                                            والمشهور عند المالكية تحريم الخلع كالطلاق (ثانيها) إذا طولب المولي بالطلاق فطلق في الحيض قال الإمام والغزالي وغيرهما ليس بحرام لأنها طالبته راضية قال الرافعي ، وهذا يمكن أن يقال بتحريمه لأنه أخرجها بالإيذاء إلى الطلب ، وهو غير ملتجئ للطلاق لتمكنه من الفيئة ، ولو طلق القاضي عليه إذا قلنا به فلا شك أنه ليس بحرام في الحيض ، واختلف المالكية في ذلك فقال أشهب لا تطلق عليه لتعذر الوطء في الحيض ، ويطلق عند ابن القاسم ، وهو الأصح لإمكان الكفارة له فيسقط حكم الإيلاء .

                                                            (ثالثها) لو رأى الحكمان في صورة الشقاق الطلاق فطلقا في الحيض ففي شرح مختصر الجويني أنه ليس بحرام للحاجة إلى قطع الشر .

                                                            (رابعها) لو قال أنت طالق مع آخر حيضك أو آخر جزء من آخر حيضك فالأصح عند أصحابنا أنه سني لاستعقابه الشروع في العدة بخلاف قوله أنت طالق مع آخر جزء من الطهر فإنه بدعي ، وإن لم يطأها في ذلك الطهر .

                                                            وكذا قال الحنابلة فلو نجز الطلاق في طهر لم يجامعها فيه فصادف حدوث الحيض عقب طلاقه أو نجزه في الحيض فصادف حدوث الطهر عقب طلاقه لم أر فيه نقلا ، والأظهر أنه في الأولى سني ، ومع ذلك تستحب الرجعة لطول العدة ، وفي الثانية بدعي لكن لا تستحب الرجعة لعدم التطويل ، وحاصل هذا أن للبدعة حكمين الإثم واستحباب الرجعة فثبت هنا أحدهما دون الآخر كما قال أصحابنا في الطلاق المعلق إذا وجدت الصفة في الحيض فإنه ثبت فيه أحد الحكمين ، وهو استحباب الرجعة دون الإثم ، والله أعلم .

                                                            (خامسها) لو كانت الحامل ترى الدم ، وقلنا هو حيض ، وهو الأصح فطلقها فيه لم يجزم على الصحيح عندنا ، وعند المالكية ، وكذا قال الحنابلة إنه لا بدعة في طلاق الحامل قال ابن المنذر ، وبه قال أكثر العلماء منهم طاوس والحسن وابن سيرين وربيعة وحماد بن أبي سليمان ، وآخرون .

                                                            (سادسها) غير المدخول بها لا يحرم طلاقها في الحيض عندنا ، وعند الحنابلة إذ لا عدة عليها ، وهو المشهور عند المالكية والحنفية ، وإن كان الحنفية لا يعللون بتطويل العدة ، وقالوا في توجيهه إن الرغبة في غير المدخول بها صادقة لا تقل بالحيض ما لم يحصل مقصوده منها [ ص: 86 ] وفي المدخول بها تتجدد بالطهر ، وقال زفر يحرم طلاق غير المدخول بها في الحيض كالمدخول بها ، وحكى ابن عبد البر إجماع العلماء على الأول ، ولم يحفظ قول زفر ثم حكى عن أشهب مثله أنه لا يطلقها ، وإن كانت غير مدخول بها حائضا .

                                                            (سابعها) إذا طلقها في حيض طلقة ثانية مسبوقة بأولى في طهر أو حيض فهذه الثانية حرام إن قلنا تستأنف العدة ، وهو الجديد الأظهر ، وإلا فوجهان لعدم التطويل فاستثناء هذه على ضعف ، واعلم أن النفاس كالحيض في تحريم الطلاق فيه إلا فيما ذكرناه كذا صرح به الفقهاء القياسيون من أصحابنا وغيرهم ، وقاله ابن حزم الظاهري أيضا لاعتقاده دخول النفاس في مسمى الحيض ، ووقع في كلام الرافعي من أصحابنا في الحيض ما يقتضي عدم تحريم الطلاق في النفاس ، وهو ذهول فقد قرر في كتاب الطلاق خلافه كما هو المعروف ، وقال ابن العربي حكي عن بعض المخابيل ممن يقول بخلق القرآن ، ولا يعتبر بقوله إن النفساء لا تدخل في هذا الحكم .



                                                            (الرابعة) قوله (مره فليراجعها) قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة يتعلق به مسألة أصولية ، وهي أن الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء أم لا فإنه عليه الصلاة والسلام قال لعمر مره فأمره بأمره ، وعلى كل حال فلا ينبغي أن يتردد في اقتضاء ذلك الطلب ، وإنما ينبغي أن ينظر في أن لوازم صيغة الأمر هل هي لوازم لصيغة الأمر بالأمر أم لا بمعنى أنهما هل يستويان في الدلالة على الطلب من وجه واحد أم لا قلت الذي صححه ابن الحاجب وغيره في المسألة الأصولية أنه لا يكون أمرا بذلك ، ولا يتجه تخريج هذه المسألة على تلك القاعدة فإن عمر رضي الله عنه ليس آمرا لابنه ، وإنما هو مبلغ له أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ويدل لذلك قول ابن عمر في رواية لمسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني بهذا ، وقوله في رواية لمسلم أيضا ، وراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي الصحيحين من طريق يونس بن جبير عن ابن عمر فأمره أن يراجعها ، ومن طريق أنس بن سيرين عنه ليراجعها ، وفي رواية مسلم وغيره من طريق أبي الزبير عنه ليراجعها ، وفي رواية طاوس عنه عند مسلم فأمره أن يراجعها ففي هذه الروايات أمره من غير توسط أمر عمر ، وهو صريح فيما قلناه ، ولا يتجه هنا ما قالوه في تمسك الآمر بالأمر بأن يقول لزيد مر عمرا [ ص: 87 ] أن يبيع هذه السلعة من أنه لو تصرف الثالث قبل إذن الثاني لا ينفذ تصرفه بناء على أنه ليس أمرا فإن ابن عمر لو حضر ، وسمع هذا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه ذلك من غير أبيه عمر رضي الله عنه لوجب عليه العمل به ، ولم يتوقف وجوب الأمر به على أمر عمر فدل على أنه مأمور بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وإنما خرج على هذه القاعدة قوله عليه الصلاة والسلام مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع لأن الصبيان ليسوا محلا للتكليف فلا يأمرهم الشارع بشيء ، وإنما يأمرهم الأولياء بذلك على طريق التمرين كسائر ما يربونهم عليه " والله أعلم .



                                                            (الخامسة) فيه الأمر بمراجعة المطلقة في الحيض ، وهو أمر استحباب عند أبي حنيفة والشافعي والأوزاعي وأحمد في المشهور عنه ، وحكاه النووي عن سائر الكوفيين وفقهاء المحدثين ، وقال مالك ، وأصحابه هي واجبة يجبر عليها ما بقي من العدة شيء ، وقال أشهب ما لم تطهر من الثانية فإن أبى أجبره الحاكم بالأدب فإن أبى ارتجع الحاكم عليه ، ولو ، وطئها بذلك على الأصح ، وما حكيته أولا عن أبي حنيفة من الاستحباب هو المشهور في كتب الخلاف ، وممن حكاه عنه النووي لكن حكاه صاحب الهداية عن بعض المشايخ ثم قال ، والأصح أنه واجب عملا بحقيقة الأمر ، ورفعا للمعصية بالقدر الممكن برفع أثره ، وهو العدة ، ودفعا لضرر تطويل العدة انتهى .

                                                            وقال داود الظاهري يجبر على الرجعة إذا طلقها حائضا ، ولا يجبر إذا طلقها نفساء ، وذكر إمام الحرمين أن المراجعة ، وإن كانت مستحبة فلا ينتهي الأمر فيه إلى أن يقول ترك المراجعة مكروه قال النووي في الروضة ، وينبغي أن يقال بالكراهة للحديث الصحيح الوارد فيها ، ولدفع الإيذاء ، وحكى ابن عبد البر خلافا في سبب الأمر بالرجعة قيل عقوبة له ، وقيل دفع الضرر عنها بتطويل العدة عليها فلو ادعت المرأة أنه طلقها في الحيض ، وقال الزوج في طهر فقال سحنون القول قولها ، ويجبر على الرجعة ، والأصح أن القول قوله .

                                                            (السادسة) الأمر بالمراجعة صريح في وقوع الطلاق في الحيض ، وإن كان معصية ، وأصرح منه قول ابن عمر ، وحسبت لها التطليقة التي طلقها ، وهو في صحيح البخاري كما تقدم ، وهذا مذهب [ ص: 88 ] الأئمة الأربعة .

                                                            وحكاه النووي عن العلماء كافة ، وقال شذ بعض أهل الظاهر فقال لا يقع طلاقه لأنه غير مأذون له فيه فأشبه طلاق الأجنبية انتهى .

                                                            وحكاه الخطابي عن الخوارج والروافض ، وقال ابن عبد البر لا مخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال والجهل ، وروي مثله عن بعض الرافضيين ، وهو شذوذ لم يعرج عليه أهل العلم انتهى .

                                                            وحكاه ابن العربي عن ابن علية ، وممن ذهب إلى هذا الشذوذ ابن حزم الظاهري ، وأجاب عن الأمر بالمراجعة بأن ابن عمر كان اجتنبها فأمره برفض فراقها ، وأن يراجعها كما كانت قبل ، وحاصل كلامه حمل المراجعة على مدلولها اللغوي ، وهو الرد إلى حالها الأول ، وهو مردود لأن حمل اللفظ على الحقيقة الشرعية مقدم على حمله على الحقيقة اللغوية كما هو مقرر في أصول الفقه ، وأجاب عن قول ابن عمر حسبت علي تطليقة بأنه لم يقل فيه أنه عليه الصلاة والسلام هو الذي حسبها تطليقة ، وإنما هو إخبار عن نفسه ، ولا حجة فيه ، وهو مردود فإنه لم يقل حسبتها فنسب الفعل إلى نفسه .

                                                            وإنما قال حسبت فأقام المفعول مقام الفاعل ، ولم يصرح به فهو منصرف إلى المتصرف في الأحكام الشرعية ، وهو الرسول عليه الصلاة والسلام لقوله أمرنا بكذا ، ونهينا عن كذا ثم تمسك ابن حزم على أن الطلاق لم يقع برواية أبي الزبير المتقدم ذكرها ، وقال هذا إسناد في غاية الصحة لا يحتمل التوجيهات ، وهو عجيب فقد تقدم عن أبي داود أنه قال الأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير .

                                                            وعن الخطابي أنه نقل عن أهل الحديث أنهم قالوا لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا فكيف يتمسك برواية شاذة ، ويترك الأحاديث الصحيحة التي هي مثل الشمس في الوضوح ، وقوله إن هذه الرواية لا تحتمل التوجيهات مردود فقد تقدم من كلام الخطابي ، وابن عبد البر تأويلها بتقدير صحتها ، وقد أشار الشافعي رحمه الله إلى ضعفها ، وتأويلها فقال ، ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير .

                                                            والأثبت من الحديثين أولى أن يقال به إذا خالفه ، وقد وافق نافعا غيره من أهل الثبت في الحديث حكاه عنه البيهقي في المعرفة ثم قال واستدل الشافعي بقوله عز وجل الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان لم يخصص طلاقا دون [ ص: 89 ] طلاق قال : ولم تكن المعصية إن كان عالما يطرح عنه التحريم لأن المعصية لا تزيد الزوج خيرا إن لم يرد شرا ، وبسط الكلام فيه ، وحمل قوله في حديث أبي الزبير لم يرد شيئا على أنه لم يحسبه شيئا صوابا غير خطأ يؤمر صاحبه ألا يقيم عليه ، ألا ترى أنه يؤمر بالمراجعة ، ولا يؤمر بها الذي طلقها طاهرة كما يقال للرجل أخطأ في فعله ، وأخطأ في جواب أجابه ، لم يصنع شيئا يعني لم يصنع شيئا صوابا انتهى ثم حكى ابن حزم عن بعضهم أنه نقل الإجماع على وقوع الطلاق ورده بأن الخلاف فيه موجود ثم أخذ يستدل على وجود الخلاف بأن ابن عباس قال إنه يحرم طلاقها حائضا ، وقال محال أن يجيز ابن عباس ما يخبر بأنه حرام ، وهذا عجيب فإنه موضع الخلاف بينه وبين الكافة فإنهم يقولون هو حرام ، ومع ذلك فهو نافذ .

                                                            وابن عباس في ذلك كغيره يحرمه ويوقعه ثم حكى عن ابن مسعود أنه قال من طلق كما أمره تعالى فقد بين الله تعالى له ، ومن خالف فإنا لا نطيق خلافه ، وهذه العبارة لا يفهم منها شيء مما قاله ثم حكى عن ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته ، وهي حائض لا يعتد بذلك ، وقد عرفت أن الذي في الصحيح عنه خلاف ذلك ثم حكى عن طاووس أنه كان لا يرى طلاقا ما خالف وجه الطلاق أن يطلقها طاهرا من غير جماع ، وإذا استبان حملها ، وهو قابل للتأويل بأن يريد أنه لا يراه طلاقا مباحا ثم حكى عن خلاس بن عمرو أنه قال في الرجل يطلق امرأته ، وهي حائض فقال لا يعتبر بها ثم قال ابن حزم ، والعجب من جراءة من ادعى الإجماع على خلاف هذا ، وهو لا يجد فيما يوافق قوله عن أحد من الصحابة غير رواية عن ابن عمر قد أعاضها ما هو أحسن منها عنه وروايتين ساقطتين عن عثمان ، وزيد بن ثابت .

                                                            قال بل نحن أسعد بدعوى الإجماع هنا قال ابن عبد البر ، واحتج بعض من ذهب إلى أن الطلاق لا يقع بما روي عن الشعبي أنه قال إذا طلق الرجل امرأته ، وهي حائض لم يعتد بها في قول ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ، وإنما معناه لم يعتد بتلك الحيضة في العدة كما روي ذلك عنه منصوصا أنه قال يقع عليها الطلاق ، ولا يعتد بتلك الحيضة .



                                                            (السابعة) قوله ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر يقتضي منع تطليقها في الطهر التالي لتلك الحيضة ، وفي ذلك للشافعية وجهان [ ص: 90 ] أصحهما عندهم المنع ، وبه قطع المتولي قال الرافعي ، وكأن الوجهين في أنه هل يتأدى به الاستحباب بتمامه فأما أصل الإباحة والاستحباب فينبغي أن يحصل بلا خلاف لاندفاع ضرر تطويل العدة ، وما بحثه الرافعي قد صرح به الإمام وغيره قال الإمام قال الجمهور يستحب أن لا يطلقها فيه ، وقال بعضهم لا بأس به ، وقال الغزالي في الوسيط هل يجوز أن يطلق في هذا الطهر ؟ فيه وجهان فجعل الخلاف في الجواز ، وتبعه على ذلك صاحب الذخائر ، ومال النووي إلى الأول ، وقال إن كلام الغزالي شاذ أو مؤول فلا يغتر بظاهره ، والله أعلم .

                                                            وذهب المالكية إلى أن تأخير الطلاق عن ذلك الطهر التالي لتلك الحيضة استحباب ، وكلام الحنابلة يقتضي أن الخلاف فيه في الجواز ، وعبارة ابن تيمية في المحرر ، ولا يطلقها في الطهر المتعقب له فإنه بدعة ، وعنه جواز ذلك ، وذكر الطحاوي أنه يطلقها في الطهر الذي يلي الحيضة ، وحكاه أبو الحسن الكرخي عن أبي حنيفة قال ، وقال أبو يوسف ومحمد لا يطلقها فيه بل يؤخر إلى الطهر الذي يليه ، وقال الخطابي أكثر الروايات أنه قال مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم إن شاء أمسك ، وإن شاء طلق ، وهكذا رواه يونس بن جبير ، وأنس بن سيرين ، وزيد بن أسلم ، وأبو وائل عن ابن عمر ، وكذلك رواه سالم عن ابن عمر من طريق محمد بن عبد الرحمن عنه ، وإنما روى هذه الزيادة نافع ، وقد رويت أيضا عن سالم من طريق الزهري .

                                                            (الثامنة) الذي في الحديث الأمر بإمساكها في الطهر التالي لتلك الحيضة ، وليس فيه الأمر بوطئها ، وقد قال بعض أصحابنا يستحب له جماعها في ذلك الطهر ليظهر مقصود الرجعة ، ويدل له ما رواه ابن عبد البر في التمهيد من طريق عبد الحميد بن جعفر عن نافع ، ومحمد بن قيس عن ابن عمر أنه طلق امرأته ، وهي في دمها حائض فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها فإذا طهرت مسها حتى إذا طهرت أخرى فإن شاء طلقها ، وإن شاء أمسكها ، ولكن الأصح عدم استحبابه اكتفاء بإمكان الاستمتاع .

                                                            (التاسعة) ذكر العلماء في الحكمة في تأخير الطلاق إلى طهر بعد طهر أي الذي يلي ذلك الحيض أمورا : (أحدها) لئلا تصير الرجعة لغرض الطلاق فوجب أن يمسكها زمانا كان يحل له فيه طلاقها ، وإنما أمسكها لتظهر فائدة الرجعة ، وهذا جواب أصحابنا ، و (الثاني) أنه عقوبة له وتوبة من معصيته [ ص: 91 ] باستدراك جنايته ، وعبر عنه بعضهم بأنه معاملة بنقيض مقصوده فإنه عجل ما حقه أن يتأخر قبل وقته فمنع منه في وقته ، وصار كمستعجل الإرث يقتل مورثه (والثالث) أن الطهر الأول مع الحيض الذي يليه ، وهو الذي طلق فيه كقرء واحد فلو طلقها في أول طهر لكان كمن طلق في الحيض ، و (الرابع) أنه نهي عن طلاقها في الطهر ليطول مقامه معها فلعله يجامعها فيذهب ما في نفسه من سبب طلاقها فيمسكها قال أبو العباس القرطبي ، وهذا أشبهها ، وأحسنها .



                                                            (العاشرة) قوله وإن شاء طلق قبل أن يمس أي قبل أن يطأها ، وقد صرح به في قوله في الرواية الأخرى قبل أن يجامعها فيه تحريم الطلاق في طهر جامعها فيه ، وفيه صرح الفقهاء من أصحابنا وغيرهم لكن لم تقل المالكية هنا بإجباره على الرجعة كما قالوه في طلاق الحائض ، وشذ بعضهم فقال يجبر كالمحيض ، وحكى الحناطي من أصحابنا وجها أنه لا تستحب الرجعة هنا أو لا يتأكد استحبابها تأكده في طلاق الحائض ، والمشهور عندهم التسوية بينهما في ذلك ، وقال الشعبي يجوز أن يطلقها في طهر جامعها فيه ، وعلل أصحابنا تحريم الطلاق في طهر جامعها فيه بأنه قد يتبين حملها فيندم ، وعلله الحنفية بأنه إذا جامعها فترت رغبته عنها فلا يتحقق حاجته إلى الطلاق ، ورأى الظاهرية ، ومنهم ابن حزم أن طلاقها في طهر جامعها فيه نافذ كما قالوه في طلاق الحائض ، والأصح عند أصحابنا أنه لو وطئها في الحيض فطهرت ثم طلقها في ذلك الطهر حرم لاحتمال العلوق .

                                                            (الحادية عشرة) محل تحريم الطلاق في طهر جامعها فيه ما لم يظهر حملها فإن ظهر حملها لم يحرم طلاقها ، ويدل على قوله في بعض طرق حديث ابن عمر المتقدم ذكرها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا ، وبهذا صرح الفقهاء من أصحابنا وغيرهم ، وعلله أصحابنا بأنه إذا طلقها بعد ظهور الحمل فقد أقدم على ذلك على بصيرة فلا يندم ، وعلله الحنفية بأن زمن الحمل زمن الرغبة في الوطء ، وفيها لمكان ولده منها فإقدامه على الطلاق فيه يدل على احتياجه لذلك ، ولا بد من تقييد كونه لا يحرم طلاق الحامل بما إذا كان منه ليحترز به عما إذا كان الحمل من غيره بأن نكح حاملا من الزنا ووطئها [ ص: 92 ] وطلقها أو وطئت منكوحة بشبهة ، وحملت منه ثم طلقها زوجها ، وهي طاهر فإنه يكون بدعيا لأن العدة تقع بعد قطع الحمل ، والنقاء من النفاس فلا تشرع عقب الطلاق في العدة .



                                                            (الثانية عشرة) في قوله ثم إن شاء أمسك بعد ، وإن شاء طلق دليل على أنه لا إثم في الطلاق بغير سبب ، وهو كذلك لكنه مكروه كما في سنن أبي داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبغض الحلال إلى الله الطلاق ، وعن أحمد بن حنبل رواية أنه يحرم لغير حاجة ، والمشهور عنه الكراهة ثم قد يجب أو يحرم لعارض ، وبذلك صرح أصحابنا ، وحملوا هذا الحديث على الطلاق بلا سبب مع استقامة الحال ، وأما التحريم فقد عرفت له صورتين ، وله صورة ثالثة ، وهي أن يكون عنده زوجتان فأكثر فيقسم ، ويطلق واحدة قبل المبيت عندها .

                                                            وأما الوجوب ففي صورتين (أحدهما) في الحكمين إذا بعثهما القاضي عند الشقاق بين الزوجين ، ورأيا المصلحة في الطلاق فيجب عليهما الطلاق ، و (الثانية) المولي إذا مضت عليه أربعة أشهر ، وطالبت المرأة بحقها فامتنع من الفيئة أو الطلاق فالأصح عندنا أنه يجب على القاضي طلقة رجعية قالوا ، ويكون الطلاق مندوبا ، وهو فيما إذا كانت المرأة غير عفيفة أو خافا أو أحدهما أن لا يقيما حدود الله ، وظهر بذلك انقسام الطلاق إلى أربعة أقسام حرام ، ومكروه ، وواجب ، ومندوب ، وكذا حكاه النووي من أصحابنا ، وقال ، ولا يكون مباحا مستوي الطرفين ، وحكى ابن الرفعة في الكفاية عن الجيلي أنه يكون مباحا قال ولم يصوره ، ولعله فيما إذا كان الزوج لا يهواها ، ولا تسمح نفسه بالتزام مؤنها من غير حصول غرض الاستمتاع فإنه لا كراهة في الطلاق ، والحالة هذه صرح بذلك الإمام .

                                                            وقال الحنابلة يباح الطلاق عند الحاجة إليه .



                                                            (الثالثة عشرة) واستدل به على أنه لا بدعة في جمع الطلقات لأنه عليه الصلاة والسلام لم يقيد الطلاق الذي جعله إلى خيرته بعدد ، وبهذا قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وابن حزم من أهل الظاهر قال الشافعي لو كان في عدد الطلاق مباح ومحظور علمه إن شاء الله إياه لأن من خفي عليه أن يطلق امرأته طاهرا كان ما يكره من عدد الطلاق ، ويحب لو كان فيه مكروه أشبه أن يخفى عليه ا هـ . وعكس الخطابي هذا [ ص: 93 ] الاستدلال قال لأنه لما أمره أن لا يطلق في الطهر الذي يلي الحيض علم أنه ليس له أن يطلقها بعد الطلقة الأولى حتى يستبرئها بحيضة فتخرج منه أنه ليس له إيقاع طلقتين في فرد واحد قال ، وتأول أصحاب الشافعي الخبر على أنه إنما منعه من طلاقها في ذلك الطهر لئلا تطول عليها العدة لأن المراجعة لم تكن ينفعها حينئذ فإذا كان كذلك كان يجب عليه أن يجامعها في الطهر ليتحقق معنى المراجعة ، وإذا جامعها لم يكن أن يطلق لأن الطلاق السني هو الذي يقع في طهر لم يجامع فيه انتهى .

                                                            وممن ذهب إلى أن جمع الطلقات الثلاث بدعة مالك والأوزاعي وأبو حنيفة والليث ، وبه قال داود ، وأكثر أهل الظاهر .



                                                            (الرابعة عشرة) قوله فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء أي فيها استدل به على أن الأقراء هي الأطهار لأن الله تعالى لم يأمر بطلاقهن في الحيض بل حرمه ، وبهذا قال مالك والشافعي ، وقال أبو حنيفة وأحمد هي الحيض ، وأجاب بعضهم عن هذا الحديث بأن الإشارة في قوله فتلك العدة تعود إلى الحيضة ، وهو مردود لأن الطلاق في الحيض غير مأمور به بل هو محرم ، وإنما الإشارة إلى الحالة المذكورة ، وهي حالة الطهر أو إلى العدة .

                                                            وقال الذاهبون إلى أنها الحيض من قال بالأطهار ، وجعلها قرأين ، وبعض الثالث ، وظاهر القرآن أنها ثلاثة ، ونحن نشترط ثلاث حيض كوامل فهي أقرب إلى موافقة القرآن ، ولهذا صار الزهري مع قوله أن الأقراء هي الأطهار إلى أنه لا تنقضي العدة إلا بثلاثة أطهار كاملة ، ولا تنقضي بطهرين ، وبعض الثالث ، وهذا مذهب انفرد به ، وقال غيره لو طلقها ، وقد بقي من الطهر لحظة يسيرة حسبت قرءا ، ويكفيها طهران ، وأجابوا عن هذا الاعتراض بأن الشيئين وبعض الثالث يطلق عليها اسم الجمع قال الله تعالى الحج أشهر معلومات ومدته شهران وبعض الثالث ، وقال تعالى فمن تعجل في يومين والمراد يوم وبعض الثاني .



                                                            (الخامسة عشرة) قال الخطابي في قوله مره فليراجعها دليل على أن الرجعة لا تفتقر إلى رضى المرأة ، ولا وليها ، ولا تجديد عقد ، والله أعلم .



                                                            (السادسة عشرة) قال الخطابي أيضا زعم بعض أهل العلم أن من قال لزوجته ، وهي حائض إذا طهرت فأنت [ ص: 94 ] طالق فإنه غير مطلق للسنة ، واستدل بقوله إن شاء أمسك ، وإن شاء طلق قال فالمطلق للسنة هو الذي يكون مخيرا وقت طلاقه بين إيقاع الطلاق ، وتركه




                                                            الخدمات العلمية