الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر مروره- صلى الله عليه وسلم- بالأبواء :

            وإهداء الصعب بن جثامة له- ثم مضى رسول الله حتى إذا كان بالأبواء أهدى له الصعب بن جثامة حمار وحش ، وفي رواية «عجز حمار وحش» وفي رواية «لحم حمار وحش ، يقطر دما» ، وفي رواية «شق حمار وحشي» ، وفي رواية «رجل حمار وحش فرده» وقال : «إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم» . روى يحيى بن سعيد ، عن جعفر ، عن عمرو بن أمية الضمري ، عن أبيه ، عن الصعب ( أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - عجز حمار وحش وهو بالجحفة ، فأكل منه وأكل القوم ) . قال البيهقي : وهذا إسناد صحيح . فإن كان محفوظا ، فكأنه رد الحي وقبل اللحم .

            وقال الشافعي رحمه الله : فإن كان الصعب بن جثامة أهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم - الحمار حيا ، فليس للمحرم ذبح حمار وحش ، وإن كان أهدى له لحم الحمار ، فقد يحتمل أن يكون علم أنه صيد له ، فرده عليه ، وإيضاحه في حديث جابر . قال : وحديث مالك أنه أهدى له حمارا أثبت من حديث من حدث له من لحم حمار .

            قلت : أما حديث يحيى بن سعيد ، عن جعفر ، فغلط بلا شك ، فإن الواقعة واحدة ، وقد اتفق الرواة أنه لم يأكل منه ، إلا هذه الرواية الشاذة المنكرة .

            وأما الاختلاف في كون الذي أهداه حيا ، أو لحما ، فرواية من روى لحما أولى لثلاثة أوجه .

            أحدها : أن راويها قد حفظها ، وضبط الواقعة حتى ضبطها : أنه يقطر دما ، وهذا يدل على حفظه للقصة حتى لهذا الأمر لا يؤبه له .

            الثاني : أن هذا صريح في كونه بعض الحمار ، وأنه لحم منه ، فلا يناقض قوله : أهدى له حمارا ، بل يمكن حمله على رواية من روى لحما ، تسمية للحم باسم الحيوان ، وهذا مما لا تأباه اللغة .

            الثالث : أن سائر الروايات متفقة على أنه بعض من أبعاضه ، وإنما اختلفوا في ذلك البعض ، هل هو عجزه ، أو شقه ، أو رجله ، أو لحم منه ؟ ولا تناقض بين هذه الروايات ، إذ يمكن أن يكون الشق هو الذي فيه العجز ، وفيه الرجل ، فصح التعبير عنه بهذا وهذا ، وقد رجع ابن عيينة عن قوله : " حمارا " ، وثبت على قوله : " لحم حمار " حتى مات .

            وهذا يدل على أنه تبين له أنه إنما أهدى له لحما لا حيوانا ، ولا تعارض بين هذا وبين أكله لما صاده أبو قتادة ، فإن قصة أبي قتادة كانت عام الحديبية سنة ست ، وقصة الصعب قد ذكر غير واحد أنها كانت في حجة الوداع ، منهم : المحب الطبري في كتاب " حجة الوداع " له . أو في بعض عمره وهذا مما ينظر فيه .

            وفي قصة الظبي وحمار يزيد بن كعب السلمي البهزي ، هل كانت في حجة الوداع ، أو في بعض عمره والله أعلم ؟ فإن حمل حديث أبي قتادة على أنه لم يصده لأجله ، وحديث الصعب على أنه صيد لأجله ، زال الإشكال ، وشهد لذلك حديث جابر المرفوع : " صيد البر لكم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم " وإن كان الحديث قد أعل بأن المطلب بن حنطب راويه عن جابر لا يعرف له سماع منه قاله النسائي .

            قال الطبري في حجة الوداع له : فلما كان في بعض الطريق اصطاد أبو قتادة حمارا وحشيا ، ولم يكن محرما ، فأحله النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بعد أن سألهم : هل أمره أحد منكم بشيء أو أشار إليه ؟ وهذا وهم منه رحمه الله ، فإن قصة أبي قتادة إنما كانت عام الحديبية ، هكذا روي في " الصحيحين " من حديث عبد الله ابنه عنه قال : ( انطلقنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عام الحديبية ، فأحرم أصحابه ولم أحرم ) ، فذكر قصة الحمار الوحشي .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية