الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفة طوافه صلوات الله وسلامه عليه فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسجد عمد إلى البيت ، ولم يركع تحية المسجد ، فإن تحية المسجد الحرام الطواف .

            وكان طوافه- صلى الله عليه وسلم- في هذه المرة ماشيا فقد روى البيهقي- بإسناد جيد- كما قال ابن كثير عن جابر بن عبد الله قال : «دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى ، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- باب المسجد فأناخ راحلته ، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه ، وفاضت عيناه بالبكاء ، ثم رمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، حتى فرغ قبل الحجر ، ووضع يديه عليه ، ومسح بهما وجهه» .

            وأما ما رواه مسلم ، عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت : «طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على بعيره يستلم الركن كراهة أن يضرب عنه الناس» ، وما رواه أبو داود ، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنه- قال : قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة يشتكي فطاف على راحلته وكلما أتى الركن استلم بمحجن ، فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين .

            وقول أبي الطفيل- رضي الله تعالى عنه- «يطوف حول البيت على بعير يستلم الركن بمحجن» رواه البيهقي .

            قال : طاف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حجته بالبيت على ناقته الجدعاء ، وعبد الله ابن أم مكتوم آخذ بخطامها يرتجز فقالا ، واللفظ لابن كثير ، إن حجة الوداع كان فيها ثلاثة أطواف ، هذا الأول ، والثاني طواف الإفاضة ، وهو طواف الفرض وكان يوم النحر . والثالث : طواف الوداع فلعل ركوبه- صلى الله عليه وسلم- كان في أحد الأخيرين ، أو في كليهما ، فأما الأول : وهو طواف القدوم فكان ماشيا فيه ، وقد نص على هذا الإمام الشافعي- رضي الله تعالى عنه- والدليل على ذلك ما رواه البيهقي بإسناد جيد ، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال : «دخلنا مكة عند ارتفاع الضحى ، فأتى النبي- صلى الله عليه وسلم- باب المسجد فأناخ راحلته ، ثم دخل المسجد فبدأ بالحجر فاستلمه ، وفاضت عيناه بالبكاء ، ثم رمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، حتى فرغ يقبل الحجر ، ووضع يديه عليه ومسح بهما وجهه» .

            قال ابن القيم : وحديث ابن عباس إن كان محفوظا فهي في إحدى عمره ، وإلا فقد صح عنه : الرمل في الثلاثة الأول من طواف القدوم ، إلا أن يقول كما قال ابن حزم في السعي : إنه رمل على بعيره ، فقد رمل لكن ليس في شيء من الأحاديث أنه كان راكبا في طواف القدوم .

            فلما حاذى الحجر الأسود ، استلمه ولم يزاحم عليه ، ولم يتقدم عنه إلى جهة الركن اليماني ، ولم يرفع يديه ، ولم يقل نويت بطوافي هذا الأسبوع كذا وكذا ، ولا افتتحه بالتكبير كما يفعله من لا علم عنده ، بل هو من البدع المنكرات ، ولا حاذى الحجر الأسود بجميع بدنه ثم انفتل عنه وجعله على شقه بل استقبله ، واستلمه ، ثم أخذ عن يمينه وجعل البيت عن يساره ، ولم يدع عند الباب بدعاء ولا تحت الميزاب ، ولا عند ظهر الكعبة وأركانها ، ولا وقت للطواف ذكرا معينا ، لا بفعله ولا بتعليمه بل حفظ عنه بين الركنين : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) وقال لعمر : «يا عمر إنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر تؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه ، وإلا فاستقبله وهلل وكبر» رواه الإمام أحمد وغيره ، والله تعالى أعلم .

            ورمل- صلى الله عليه وسلم- في طوافه هذا الثلاثة الأشواط ، الأول قلت : «من الحجر إلى الحجر» رواه الإمام أحمد ، وأبو يعلى .

            وكان يسرع مشيه ، ويقارب بين خطاه واضطبع بردائه فجعله على أحد كتفيه ، وأبدى كتفه الآخر ، ومنكبه ، وكلما حاذى الحجر الأسود أشار إليه واستلمه بمحجنه وقبل المحجن ، وهو عصا محنية الرأس .

            وثبت عنه : أنه استلم الركن اليماني ، ولم يثبت عنه أنه قبله ، ولا قبل يده حين استلامه .

            وقول ابن عباس كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقبل الركن اليماني ، ويضع خده عليه ، رواه الدارقطني ، من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز .

            قال ابن القيم : «المراد بالركن اليماني ها هنا الحجر الأسود ، فإنه يسمى الركن اليماني مع الركن الآخر يقال لهما : اليمانيان ، ويقال له مع الركن الذي يلي الحجر من ناحية الباب العراقيان ، ويقال للركنين اللذين يليان الحجر الشاميان ، ويقال للركن اليماني ، والذي يلي الحجر من ظهر الكعبة الغربيان ، ولكن ثبت عنه أنه قبل الحجر الأسود ، وثبت عنه أنه استلمه بيده ، فوضع يده عليه ثم قبلها .

            وثبت عنه : أنه استلمه بمحجنه ، فهذه ثلاث صفات .

            وروي عنه «أنه وضع شفته عليه طويلا يبكي» .

            وروى الطبراني بإسناد جيد أنه- صلى الله عليه وسلم- كان إذا استلم الركن اليماني قال : بسم الله ، والله أكبر ، وكان كلما أتى الحجر الأسود ، قال : «الله أكبر» .

            وروى أبو داود الطيالسي ، عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله قبل الركن ، ثم سجد عليه ، ثم قبله ، ثم سجد عليه ، ثلاث مرات ، ولم يمس من الركنين إلا اليمانيين فقط .

            قلت : «واستسقى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في طوافه» . رواه الطبراني ، عن العباس ، وفي سنده رجل لم يسم ، والله تعالى أعلم .

            فلما فرغ من طوافه جاء إلى خلف المقام ، فقرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى ركعتين- والمقام بينه وبين البيت- قرأ فيهما بعد الفاتحة : بسورة الإخلاص ، وقراءته الآية المذكورة . قلت : في حديث جابر : «أنه قرأ فيهما قل هو الله أحد ، وقل يا أيها الكافرون ، فلما فرغ من صلاته أقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية