الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فيما حفظ من دعائه ، عليه الصلاة والسلام ، وهو واقف بعرفة

            قد تقدم أنه ، عليه الصلاة والسلام ، أفطر يوم عرفة ، فدل على أن الإفطار هناك أفضل من الصيام ; لما فيه من التقوية على الدعاء ; لأنه المقصود الأهم هناك ، ولهذا وقف ، عليه الصلاة والسلام ، وهو راكب على الراحلة ، من لدن الزوال إلى أن غربت الشمس .

            وقد روى أبو داود الطيالسي في " مسنده " عن حوشب بن عقيل ، عن مهدي الهجري ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة

            ومما حفظ من دعائه- صلى الله عليه وسلم- هناك : «اللهم لك الحمد كالذي نقول ، وخيرا مما نقول ، اللهم لك صلاتي ، ونسكي ، ومحياي ، ومماتي ، وإليك مآبي ، ولك تراثي ، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، ووسوسة الصدر ، وشتات الأمر اللهم إني أعوذ بك من شر ما يجيء به الريح ، ومن شر ما يلج في الليل ، وشر ما يلج في النهار ، وشر بوائق الدهر .

            اللهم إنك تسمع كلامي ، وترى مكاني ، وتعلم سري وعلانيتي ، لا يخفى عليك شيء من أمري ، أنا البائس الفقير ، المستغيث المستجير ، الوجل المشفق المقر المعترف بذنبه ، أسألك مسألة المسكين ، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الذليل ، وأدعوك دعاء الخائف الضرير ، من خضعت لك رقبته ، وفاضت لك عبرته وذل جسده ، ورغم أنفه لك ، اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا ، وكن بي رءوفا رحيما يا خير المسئولين . ويا خير المعطين» .

            وذكر الإمام أحمد : من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده قال كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير ".

            وذكر البيهقي من حديث علي - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أكثر دعائي ودعاء الأنبياء من قبلي بعرفة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي صدري نورا ، وفي سمعي نورا ، وفي بصري نورا ، اللهم اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، وأعوذ بك من وسواس الصدر ، وشتات الأمر ، وفتنة القبر ، اللهم إني أعوذ بك من شر ما يلج في الليل ، وشر ما يلج في النهار ، وشر ما تهب به الرياح وشر بوائق الدهر ) .

            وأسانيد هذه الأدعية فيها لين . وقال أبو داود الطيالسي في " مسنده " : حدثنا عبد القاهر بن السري ، حدثني ابن لكنانة بن العباس بن مرداس ، عن أبيه ، عن جده عباس بن مرداس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عشية عرفة لأمته بالمغفرة والرحمة ، فأكثر الدعاء ، فأوحى الله إليه : إني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا ، وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم ، فقد غفرتها . فقال : " يا رب ، إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته ، وتغفر لهذا الظالم " . فلم يجبه تلك العشية ، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء ، فأجابه الله تعالى : إني قد غفرت لهم . فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له بعض أصحابه : يا رسول الله ، تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها . قال : " تبسمت من عدو الله إبليس ; إنه لما علم أن الله عز وجل قد استجاب لي في أمتي ، أهوى يدعو بالويل والثبور ، ويحثو التراب على رأسه " .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية