الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفة حلقه رأسه الكريم ، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم

            فلما أكمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نحره استدعى بالحلاق فحلق رأسه ، فقال للحلاق- وهو معمر بن عبد الله بن نضلة بن عبد العزى بن حرثان بن عوف- وحضر المسلمون يطلبون من شعره- وهو قائم على رأسه بالموسى ، ونظر في وجهه وقال : «يا معمر أمكنك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من شحمة أذنه وفي يدك الموسى» ، قال معمر ، فقلت : أما والله يا رسول الله إن ذلك من نعم الله علي ومنه .

            قال للحلاق : «خذ» ، وأشار إلى جانبه الأيمن ، فلما فرغ منه قسم شعره على من يليه ، ثم أشار إلى الحلاق ، فحلق جانبه الأيسر ، ثم قال : «هاهنا أبو طلحة» ، فدفعه إليه .

            قال ابن سعد : وحلق رأسه وأخذ من شاربه وعارضيه وقلم أظفاره وأمر بشعره وأظفاره أن تدفن .

            وروى البخاري ، عن ابن سيرين ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ شعره ، قال : وهذا لا يناقض رواية مسلم : لجواز أن يصيب أبا طلحة من الشق الأيمن مثل ما أصاب غيره ، ويختص بالشق الآخر ، لكن قد روى مسلم- أيضا- من حديث أنس «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما رمى الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه ، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه ثم ناوله الشق الأيسر فقال : «احلق» فحلقه فأعطاه أبا طلحة فقال : «اقسمه بين الناس» .

            ففي هذه الرواية ، كما ترى أن نصيب أبي طلحة كان الشق الأيمن وفي الأولى أنه كان الأيسر وفي رواية أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعطاه أم سليم ولا يعارض هذا دفعه لأبي طلحة لأنها امرأته ،

            وفي لفظ : فبدأ بالشق الأيمن فوزعه الشعرة والشعرتين بين الناس ، ثم قال : بالأيسر فصنع به مثل ذلك ثم قال : «ها هنا أبو طلحة» فدفعه إليه ، وفي لفظ ثالث : دفع إلى أبي طلحة شعر شق رأسه الأيسر ، ثم أظفاره وقسمها بين الناس .

            وكلمه خالد بن الوليد في ناصيته حين حلق فدفعها إليه فكان يجعلها في مقدم قلنسوته ، فلا يلقى جمعا إلا فضه .

            وذكر الإمام أحمد - رحمه الله - من حديث محمد بن عبد الله بن زيد ، أن أباه حدثه أنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - عند المنحر ، ورجل من قريش ، وهو يقسم أضاحي فلم يصبه شيء ، ولا صاحبه فحلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأسه في ثوبه ، فأعطاه فقسم منه على رجال ، وقلم أظفاره فأعطاه صاحبه ، قال : فإنه عندنا مخضوب بالحناء والكتم يعني شعره .

            ودعا للمحلقين بالمغفرة ثلاثا ، وللمقصرين مرة ، وحلق كثير من الصحابة ، بل أكثرهم وقصر بعضهم ، وهذا مع قوله تعالى : ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين ) [ الفتح 27 ] ومع قول عائشة - رضي الله عنها - ، طيبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم ولإحلاله قبل أن يحل ، دليل على أن الحلق نسك وليس بإطلاق من محظور .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية