الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ولو ملك ابن عمه فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته - عتق ولم يرثه ، ذكره أبو الخطاب; لأنه لو ورثه كان إقراره لوارث ، وكذلك على قياسه لو اشترى ذا رحمه المحرم في مرضه وهو وارثه ، أو وصى له به ، أو وهب له ، فقبله في مرضه ، وقال القاضي : يعتق ويرث ، ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه لم ترثه على قياس الأول ، ولو أعتقها وقيمتها مائة ، ثم تزوجها وأصدقها مائتين لا مال له سواهما ، وهي مهر مثلها ، ثم مات - صح العتق ولم يستحق الصداق ؛ لئلا يفضي إلى بطلان عتقها ثم يبطل صداقها ، وقال القاضي : تستحق المائتين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( ولو ملك ابن عمه ، فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته عتق ) من رأس المال ; لأن إقرار المريض بذلك كالصحيح ، ( ولم يرثه ، ذكره أبو الخطاب ) وفي " الرعاية " أنه أقيس ؛ ( لأنه لو ورثه كان إقراره لوارث ) ، فيبطل عتقه ; لأنه مرتب على صحة الإقرار ، وهو لا يصح لوارث ، وعلله الخبري بأن عتقهم وصية ، فلا يجمع لهم بين الأمرين ; لأنهم إذا ورثوا بطلت الوصية ، وإذا بطلت الوصية بطل العتق ، فيؤدي توريثهم إلى إسقاط توريثهم ، وقيل : يرث ; لأنه حين الإقرار لم يكن وارثا ، فوجب أن يرث كما لو لم يصر وارثا ، ( وكذلك على قياسه لو اشترى ذا رحمه المحرم ) - أي من يعتق عليه بالشراء ( في مرضه ، وهو وارثه ، أو وصى له به ، أو وهب له فقبله في مرضه ) ، أي يعتق ولا يرث ؛ لما ذكرناه ، ( وقال القاضي : يعتق ويرث ) وهو المنصوص ، وقدمه في " المحرر " و " الفروع " ، وحاصله أنه إذا ملك من يعتق عليه بهبة أو وصية ، أو أقر أنه أعتق ابن عمه عتقا من رأس المال وورثا ; لأنه حين موت موروثه ليس بقاتل ولا مخالف لدينه ، ولا يكون عتقهم وصية ، وقيل : يعتق من ثلثه ، وإلا عتق منه بقدر الثلث ، فلو دبر ابن عمه عتق ولم يرث ، نص عليه ، وإن قال : أنت حر في آخر [ ص: 402 ] حياتي عتق ، والأشهر : يرث ، وليس عتقه وصية ، ولو علق عتق عبده بموت قريبه لم يرثه ، ذكره جماعة ، قال القاضي : لأنه لا حق له فيه ، قال في " الفروع " : ويتوجه الخلاف .

                                                                                                                          مسألة : إذا اشترى مريض من يعتق على وارثه صح ، وعتق على الوارث قولا واحدا ، وإن وصى بعتق بعض عبد ، أو أعتقه ، أو دبره وبقيته له أو لغيره ، وثلثه يحمل كله - كمل عتقه وأخذ الشريك حقه ، وعنه : لا سراية فيهن ، وهو أولى ، وفي استسعائه للشريك روايتان ، وعنه : السراية في المنجز فقط ، قال ابن حمدان : وإن اشترى المديون ذا رحمه المحرم لم يصح ، وقيل : بلى ويباع في الدين ، ولو اتهب عبد من يعتق على سيده ، وقلنا : يصح قبوله بدون إذنه عتق على سيده ( ولو أعتق أمته وتزوجها في مرضه لم ترثه على قياس الأول ) ؛ لأن إرثها يفضي إلى بطلان عتقها ; لأنه وصية ، وإبطال عتقها يبطل توريثها ، ( وقال القاضي : يرثه ) نص عليه في رواية المروذي ، وهو المذهب ; لأن العتق في هذه الحال وصية بما لا يلحقه الفسخ ، فيجب تصحيحه للوارث كالعفو عن العمد في مرضه ، فإنه لا يسقط ميراثه ، ولا تبطل الوصية ، ومحله ما إذا خرجت من الثلث ، كما لو أعتق ابن عمه أو اشترى ذا رحم يعتق عليه ممن يرث ، ولو أعتقها في صحته وتزوجها في مرضه فإنه يصح ، وترثه بغير خلاف علمناه ، ( ولو أعتقها وقيمتها مائة ثم تزوجها وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهي مهر مثلها ثم مات - صح العتق ) والنكاح ; لأنه صدر من أهله في محله ، ( ولم يستحق الصداق ؛ لئلا يفضي إلى بطلان عتقها ثم يبطل صداقها ) ووجهه أنها إذا استحقت الصداق لم يبق شيء [ ص: 403 ] سوى قيمة الأمة المقدر بقاؤها ، فلا ينفذ العتق في كلها ؛ لكون الإنسان محجورا عليه في التصرف في مرضه في جميع ماله ، وإذا بطل العتق في البعض بطل النكاح ، وإذا بطل النكاح بطل الصداق ، ( وقال القاضي : تستحق المائتين ) وتعتق ; لأن العتق وصية لها ، وهي غير وارثه ، والصداق استحقته بعقد المعاوضة ، وهي تنفذ من رأس المال ، فهو كما لو تزوج أجنبية وأصدقها المائتين ، وفي إرثها الخلاف ، قال في " المغني " : والأول أولى من القول بصحة العتق واستحقاق الصداق جميعا ؛ لإفضائه إلى القول بصحة العتق في مرض الموت من جميع المال ، ولا خلاف في فساد ذلك ، فلو أصدق المائتين أجنبية صح وبطل العتق في ثلثي الأمة ; لأن الخروج من الثلث معتبر بحالة الموت ، وحالة الموت لم يبق له مال ، وكذا لو تلفت المائتان قبل موته عتق منها الثلث فقط .

                                                                                                                          فرع : لو أعتق أمة لا يملك غيرها ثم تزوجها ، فالنكاح صحيح في الظاهر ، فإن مات ولم يملك شيئا آخر تبينا أن النكاح باطل ويسقط مهرها إن كان لم يدخل بها ، وإن كان دخل بها ومهرها نصف قيمتها عتق منها ثلاثة أسباعها ويرق أربعة أسباعها ، وحسابها أن نقول : عتق منها شيء ولها بصداقها نصف شيء ، وللورثة شيئان ، فتجمعه ثلاثة أشياء ونصفا ، تبسطها تكن سبعة .

                                                                                                                          مسألة : مريضة أعتقت عبدا لها قيمته عشرة ، وتزوجها بعشرة في ذمته ، ثم ماتت وخلفت مائة ، فمقتضى قول الأصحاب أن تضم العشرة إلى المائة ، فتكون التركة ويرث نصف ذلك ، والباقي للورثة ، وقال أبو يوسف ومحمد : يحسب عليه قيمته أيضا ، ويضم إلى التركة ، ويبقى للورثة ستون ، وقال الشافعي : لا يرث شيئا [ ص: 404 ] وعليه أداء العشرة التي في ذمته ؛ لئلا يكون إعتاقه وصية لوارث ، وهو مقتضى قول الخرقي .

                                                                                                                          فائدة : وهب أمة حرم على المتهب وطؤها حتى تبرأ أو تموت ، وفي " الخلاف " : له التصرف ، وفي " الانتصار " : والوطء .




                                                                                                                          الخدمات العلمية