الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            الباب الثاني والثلاثون في سرية عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه إلى أسير أو يسير بن رزام بخيبر في شوال سنة ست .

            لما قتل أبو رافع سلام بن أبي الحقيق أمرت يهود عليهم أسير بن رزام . فقام في يهود فقال : «والله ما سار محمد إلى أحد من يهود ولا بعث أحدا من أصحابه إلا أصاب منهم ما أراد ، ولكني أصنع ما لم يصنع أصحابي» . فقالوا : وما عسيت أن تصنع ؟ قال : (أسير في غطفان فأجمعهم ونسير إلى محمد في عقر داره؛ فإنه لم يغز أحد في عقر داره إلا أدرك منه عدوه بعض ما يريد ) . قالوا له : نعم ما رأيت . فسار في غطفان وغيرهم يجمعهم لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

            فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجه عبد الله بن رواحة في شهر رمضان ومعه ثلاثة نفر سرا ليكشف له الخبر . فأتى ناحية خيبر فدخل في الحوائط وفرق أصحابه في النطاة والشق والكتيبة ، فوعوا ما سمعوا من أسير بن رزام أو غيره ، ثم خرجوا بعد مقام ثلاثة أيام . فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم لليال بقين من شهر رمضان فأخبره بكل ما رأى وسمع ، وقدم عليه أيضا خارجة بن حسيل الأشجعي فاستخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما وراءه . فقال : تركت أسير بن رزام يسير إليك في كتائب يهود ، فندب النبي صلى الله عليه وسلم الناس فانتدب له ثلاثون رجلا .

            وذكر ابن عائذ أن عبد الله بن عتيك كان فيهم . وروى محمد بن عمر عن عبد الله بن أنيس قال : «كنت فيهم فاستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا عبد الله بن رواحة» . قال : «فخرجنا حتى قدمنا خيبر فأرسلنا إلى أسير إنا آمنون حتى نأتيك فنعرض عليك ما جئنا له . قال : نعم؛ ولي مثل ذلك منكم . قلنا . نعم . فدخلنا عليه فقلنا : «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويحسن إليك» . فلم يزالوا به حتى خرج معهم . وطمع في ذلك . وشاور يهود فخالفوه في الخروج وقالوا : «ما كان محمد ليستعمل رجلا من بني إسرائيل» قال : «بلى قد مللنا الحرب» .

            فخرج معه ثلاثون رجلا من يهود مع كل رجل رديف من المسلمين . قال ابن إسحاق :

            وحمل عبد الله بن أنيس أسير بن رزام على بعيره . قال عبد الله بن أنيس : «فسرنا حتى إذا كنا بقرقرة ثبار وندم أسير وأهوى بيده إلى سيفي ففطنت له ودفعت بعيري . وقلت : «أغدرا أي عدو الله ؟ » فدنوت منه لأنظر ما يصنع ، فتناول سيفي فغمزت بعيري وقلت : «هل من رجل ينزل يسوق بنا ؟ » فلم ينزل أحد ، فنزلت عن بعيري فسقت بالقوم حتى انفرد لي أسير ، فضربت .

            بالسيف فقطعت مؤخرة الرجل وأنددت عامة فخذه وساقه ، وسقط عن بعيره وفي يده مخرش من شوحط فضربني فشجني مأمومة ، وملنا على أصحابه فقتلناهم كلهم غير رجل واحد أعجزنا شدا . ولم يصب من المسلمين أحد . ثم أقبلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

            وبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه إذ قالوا : «تمشوا بنا إلى الثنية لنبحث عن أصحابنا» ، فخرجوا معه . فلما أشرفوا على الثنية إذ هم بسرعان أصحابنا؛ فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه فانتهينا إليه فحدثناه الحديث .

            فقال : «قد نجاكم الله من القوم الظالمين» .

            قال عبد الله بن أنيس : «فدنوت من النبي صلى الله عليه وسلم فنفث في شجتي فلم تقح بعد ذلك اليوم ولم تؤذني ، وكان العظم قد نغل . ومسح وجهي ودعا لي ، وقطع لي قطعة من عصاه .

            فقال : «أمسك هذه معك علامة بيني وبينك يوم القيامة أعرفك بها فإنك تأتي يوم القيامة متحصرا»
            .

            فلما دفن عبد الله بن أنيس جعلت معه على جلده دون ثيابه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية