الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            سرية أبي قتادة رضي الله تعالى عنه أيضا إلى بطن إضم في أول شهر رمضان قبل فتح مكة .

            قال محمد بن عمر : لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم التوجه إلى مكة بعث أبا قتادة الحارث بن ربعي رضي الله تعالى عنه في ثمانية نفر إلى بطن إضم ليظن ظان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توجه إلى تلك الناحية ولأن تذهب بذلك الأخبار . قال ابن إسحاق : حدثني يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن ابن عبد الله بن أبي حدرد ، عن أبيه قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم في نفر من المسلمين منهم ، أبو قتادة الحارث بن ربعي ، ومحلم بن جثامة بن قيس ، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم ، مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي على قعود له ، معه متيع له ، ووطب من لبن ، فسلم علينا بتحية الإسلام ، فأمسكنا عنه ، وحمل عليه محلم بن جثامة فقتله لشيء كان بينه وبينه ، وأخذ بعيره ومتيعه ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه الخبر ، فنزل فينا القرآن : يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا ( النساء : 94 ) وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن يعقوب ، عن أبيه ، عن محمد بن إسحاق ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن القعقاع بن عبد الله بن أبي حدرد ، عن أبيه فذكره .

            قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن جعفر ، سمعت زياد بن ضميرة بن سعد الضمري يحدث عروة بن الزبير ، عن أبيه وجده ، قال - وكانا شهدا حنينا - قال :
            فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر ، فقام إلى ظل شجرة ، فقعد فيه ، فقام إليه عيينة بن بدر يطلب بدم عامر بن الأضبط الأشجعي ، وهو سيد قيس ، وجاء الأقرع بن حابس يرد عن محلم بن جثامة وهو سيد خندف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوم عامر : " هل لكم أن تأخذوا منا الآن خمسين بعيرا وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة ؟ " فقال عيينة بن بدر والله لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحزن مثل ما أذاق نسائي . فقام رجل من بني ليث يقال له : ابن مكيتل . وهو قصد من الرجال ، فقال : يا رسول الله ، ما أجد لهذا القتيل مثلا في غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أولاها فنفرت أخراها ، اسنن اليوم وغير غدا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل لكم أن تأخذوا خمسين بعيرا الآن وخمسين إذا رجعنا إلى المدينة ؟ " فلم يزل بهم حتى رضوا بالدية ، فقال قوم محلم بن جثامة : ائتوا به حتى يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فجاء رجل طوال ضرب اللحم ، في حلة قد تهيأ فيها للقتل ، فقام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم لا تغفر لمحلم " . قالها ثلاثا ، فقام وإنه ليتلقى دموعه بطرف ثوبه قال محمد بن إسحاق : زعم قومه أنه استغفر له بعد ذلك . وهكذا رواه أبو داود من طريق حماد بن سلمة ، عن ابن إسحاق ورواه ابن ماجه ، عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبي خالد الأحمر ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر ، عن زيد بن ضميرة ، عن أبيه وعمه ، فذكر بعضه . والصواب كما رواه ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر ، عن زياد بن سعد بن ضميرة ، عن أبيه وجده . وهكذا رواه أبو داود من طريق ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن عبد الرحمن بن الحارث ، عن محمد بن جعفر ، عن زياد بن سعد بن ضميرة ، عن أبيه وجده ، بنحوه كما تقدم .

            وقال ابن إسحاق : حدثني سالم أبو النضر أنه قال : لم يقبلوا الدية حتى قام الأقرع بن حابس فخلا بهم وقال : يا معشر قيس ، سألكم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلا تتركونه ليصلح به بين الناس فمنعتموه إياه ، أفأمنتم أن يغضب عليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب الله لغضبه ، أو يلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيلعنكم الله بلعنته لكم ، والله لتسلمنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لآتين بخمسين من بني تميم كلهم يشهدون أن القتيل كافر ما صلى قط ، فلأطلن دمه . فلما قال ذلك لهم ، أخذوا الدية . وهذا منقطع معضل .

            وقد روى ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن الحسن البصري ، أن محلما لما جلس بين يديه ، عليه الصلاة والسلام ، قال له : " أمنته بالله ثم قتلته ؟! " ثم دعا عليه . قال الحسن : فوالله ما مكث محلم إلا سبعا حتى مات ، فلفظته الأرض ، ثم دفنوه ، فلفظته الأرض ، ثم دفنوه ، فلفظته الأرض ، فرضموا عليه من الحجارة حتى واروه ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إن الأرض لتطابق على من هو شر منه ، ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم ما بينكم بما أراكم منه .

            وقال ابن جرير : ثنا وكيع ، ثنا جرير ، عن ابن إسحاق ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، محلم بن جثامة مبعثا ، فلقيهم عامر بن الأضبط فحياهم بتحية الإسلام - وكانت بينهم حنة في الجاهلية - فرماه محلم بسهم فقتله ، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتكلم فيه عيينة والأقرع ، فقال الأقرع : يا رسول الله ، سن اليوم وغير غدا . فقال عيينة : لا والله حتى تذوق نساؤه من الثكل ما ذاق نسائي . فجاء محلم في بردين ، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا غفر الله لك " . فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه ، فما مضت له سابعة حتى مات ، فدفنوه فلفظته الأرض ، فجاءوا النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له ، فقال : " إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ، ولكن الله أراد أن يعظكم من حرمتكم " . ثم طرحوه بين صدفي جبل ، فألقوا عليه من الحجارة ، ونزلت : يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا الآية وقد ذكره موسى بن عقبة ، عن الزهري ، ورواه شعيب ، عن الزهري ، عن عبد الله بن موهب ، عن قبيصة بن ذؤيب نحو هذه القصة ، إلا أنه لم يسم محلم بن جثامة ، ولا عامر بن الأضبط ، وكذلك رواه البيهقي عن الحسن البصري بنحو هذه القصة ، وقال : وفيه نزل قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا الآية .

            .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية