الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته:

            لقد أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم في غير آية من كتابه العزيز بأنه ميت وأن جميع الخلائق ميتون فمهما طال العمر لا بد من الموت، فقال الله تعالى : إنك ميت وإنهم ميتون وقال عز وجل : وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ؟. إلى غير ذلك من الآيات البينات.

            وقد وقعت العديد من العلامات الدالة على قرب أجله صلى الله عليه وسلم ومنها معارضته جبريل القرآن مرتين في رمضان، ونزول سورة النصر عليه صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح [النصر 1] قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «نعيت إلي نفسي وقرب أجلي» .

            وقد خير الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بين البقاء في الدنيا وما عنده سبحانه فاختار جوار ربه سبحانه.

            وابتدأ مرض النبي صلى الله عليه وسلم وقد اختلف في اليوم الذي مرض فيه وعدد أيام مرضه صلى الله عليه وسلم، وقد حرص أبو بكر رضي الله عنه أن يمرضه في بيته وقد كان يطوف النبي صلى الله عليه وسلم على أزواجه فلما اشتد به المرض استأذنهن أن يمرض في بيت عائشة رضي الله عنها فأذن له صلى الله عليه وسلم.

            واشتد شكواه حتى غمر عليه من شدة الوجع، فاجتمع عنده نساؤه وعمه العباس وأم الفضل بنت الحارث وأسماء بنت عميس، فتشاوروا في لده، فلدوه وهو مغمور، فلما أفاق قال: "من فعل بي هذا؟ هذا من عمل نساء جئن من هاهنا وأشار بيده إلى أرض الحبشة، وكانت أم سلمة وأسماء لدتاه، فقالوا: يا رسول الله! خشينا أن يكون بك ذات الجنب. قال: " فبم لددتموني"؟ قالوا: بالعود الهندي وشيء من ورس وقطرات من زيت. فقال: "ما كان الله ليقذفني بذلك الداء " ثم قال: "عزمت عليكم أن لا يبقى في البيت أحد إلا لد إلا عمي العباس).

            وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوعك كما يوعك الرجلان، وذلك لأن له أجرين وذلك لأن الأنبياء أشد الناس بلاء.

            وفي أثناء مرض النبي صلى الله عليه وسلم استبطأ إنفاذ بعث أسامة بن زيد وأمر بإنفاذه فخرج جيش أسامة حتى نزلوا بالجرف وتتام الناس هناك إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد ثقل فأقام أسامة هناك والناس حتى ينظروا ما الله قاض في رسوله صلى الله عليه وسلم.

            وقد طلب النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب عليه الماء فصبوا عليه صلى الله عليه وسلم سبع قرب من آبار شتى ثم خرج صلى الله عليه وسلم فعهد إلى الناس، وطلب القود من نفسه الشريفة.

            واختلف في مدة مرضه صلى الله عليه وسلم وهي على الأكثر ثلاثة عشر يوما وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب كتابا لأصحابه إلا أنه لم يفعل صلى الله عليه وسلم، وقد أخرج النبي صلى الله عليه وسلم ما معه من مال وأعتق عبيده، كما أسر لفاطمة ابنته رضي الله عنها بموته وأنها أقرب الناس لحوقا به صلى الله عليه وسلم، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالأنصار عند موته، بأن يحسن إلى محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم في بيت عائشة رضي الله عنها ووعظهم وأوصاهم بالصلاة والمحافظة عليها وحذرهم من اتخاذ قبره عيدا.

            وقد اختلف العلماء في آخر صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته هل هي المغرب أم الصبح أو الظهر؟ وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم حتى رأى مقعده من الجنة، ثم ردت إليه روحه وخير فاختار الرفيق الأعلى.

            فاستأذن عليه حينئذ ملك الموت فأذن له فقبضت روحه الشريفة صلى الله عليه وسلم.

            ولم يصب المسلمون بمصيبة هي أعظم عندهم من موت نبيهم صلى الله عليه وسلم حتى كان كما قال أنس: لما كان اليوم الذي [دخل فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة أضاء منها كل شيء ، فلما كان اليوم الذي] مات فيه أظلم من المدينة كل شيء .

            وقد كان أعظم هذه الأمة ثباتا أبو بكر رضي الله عنه فقام في الناس خطيبا فوعظهم وذكرهم بما جاء في كتاب ربهم من النص على موت نبيهم صلى الله عليه وسلم.

            وذهب العلماء إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع الله له مع النبوة الشهادة وذلك من السم الذي كان في الشاة المسمومة فعن أم معبد امرأة كعب أن أم مبشر دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في وجعه الذي قبض فيه فقالت : بأبي وأمي أنت يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما تتهم بنفسك ؟ فإني لا أتهم بابني إلا الطعام الذي أكل معك بخيبر ، وكان ابنها مات قبل النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : وأنا لا أتهم غيرها هذا أوان انقطاع أبهري» .

            وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم عن عمر ثلاث وستين سنة وقيل غير ذلك.

            التالي السابق


            الخدمات العلمية