الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            فيما جاء أنه خير بين أن يبقى حتى يرى ما يفتح على أمته وبين التعجيل واستغفاره- صلى الله عليه وسلم- لأهل البقيع

            روى ابن إسحاق والإمام أحمد وابن سعد والبيهقي عن أبي مويهبة والإمام أحمد وابن سعد والبيهقي عن أبي رافع موليا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهما- واللفظ لأبي مويهبة- قال : أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يصلى على أهل البقيع فصلى عليهم ثلاث مرات ، فلما كان في الثانية هبني من جوف الليل فقال : «يا أبا مويهبة إني أمرت أن أستغفر لأهل البقيع فأسرج لي دابتي» قال : فركب ومشيت حتى انتهى إليهم فنزل عن دابته ، وأمسكت الدابة ، فلما وقف بين أظهرهم قال : «السلام عليكم يا أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح فيه الناس ، لو تعلمون ما نجاكم الله منه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا ، يتبع آخرهم أولها ، الآخرة شر من الأولى» ، ثم أقبل علي وقال : «يا أبا مويهبة إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة . فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة» قال : قلت بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح الدنيا والخلد فيها ثم الجنة ، قال : «لا والله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة» ، ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف ، فبدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في وجعه الذي قبضه الله عز وجل فيه حين أصبح .

            وروى ابن سعد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة فلبس ثيابه ثم خرج ، فأمرت خادمتي بريرة ، فتبعته حتى إذا جاء البقيع وقف في أدناه ما شاء الله أن يقف ثم انصرف فسبقته بريرة فأخبرتني فلم أذكر له شيئا حتى أصبح ، ثم ذكرت له ذلك فقال «إني بعثت لأهل البقيع لأصلي عليهم» .

            وروى أيضا عنها قالت : فقدت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الليل فتبعته فإذا هو بالبقيع فقال : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أنتم لنا فرط آتانا الله وآتاكم ما توعدون ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم» قالت : ثم التفت إلي فقال : «ويحها لو تستطيع ما فعلت» .

            قال ابن إسحاق : وقال الزهري : حدثني أيوب بن بشير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر ، ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد ، واستغفر لهم ، فأكثر الصلاة عليهم ، ثم قال : إن عبدا من عباد الله خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عند الله . قال : ففهمها أبو بكر ، وعرف أن نفسه يريد ، فبكى وقال : بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا ، فقال : على رسلك يا أبا بكر ، ثم قال : انظروا هذه الأبواب اللافظة في المسجد ، فسدوها إلا بيت أبي بكر ، فإني لا أعلم أحدا كان أفضل في الصحبة عندي يدا منه

            قال ابن هشام : ويروى : إلا باب أبي بكر .

            قال ابن إسحاق : وحدثني عبد الرحمن بن عبد الله ، عن بعض آل أبي سعيد بن المعلى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال يومئذ في كلامه هذا : فإني لو كنت متخذا من العباد خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن صحبة وإخاء إيمان حتى يجمع الله بيننا عنده وروى عبد الرزاق بسند جيد قوي عن طاووس مرسلا قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «نصرت بالرعب وأعطيت الخزائن ، وخيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل» .

            وروي عن عقبة بن عامر - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صلى على قتلى أحد بعد ثمان سنين كالمودع للأحياء والأموات ثم طلع على المنبر فقال : «إني بين أيديكم فرط ، وأنا عليكم شهيد ! وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه وأنا في مقامي هذا ، لست أخشى عليكم أن تشركوا ، ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها» .

            قال عقبة : وكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية