الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن عروة عن عائشة أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها فتزوجها بعده عبد الرحمن بن الزبير فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله إنها كانت عند رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل هذه الهدبة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة ، لا ، حتى تذوقي عسيلته ، ويذوق عسيلتك ، قالت وأبو بكر جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وخالد بن سعيد جالس بباب الحجرة لم يؤذن له فطفق خالد ينادي أبا بكر يقول يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .

                                                            التالي السابق


                                                            (الحديث الثاني)

                                                            وعن عروة عن عائشة أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبت طلاقها فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا نبي الله إنها كانت عند رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل هذه الهدبة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ، ويذوق عسيلتك ، قالت وأبو بكر جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم ، وخالد بن سعيد جالس بباب الحجرة لم يؤذن له فطفق خالد ينادي أبا بكر يقول يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم (فيه) فوائد :

                                                            (الأولى) أخرجه من هذا الوجه مسلم من طريق عبد الرزاق ، وأخرجه البخاري من طريق عبد الله بن المبارك ، والنسائي من طريق يزيد بن زريع ثلاثتهم عن معمر ، وأخرجه الأئمة الستة خلا أبا داود من طريق سفيان بن عيينة ، وأخرجه مسلم من طريق يونس بن يزيد ، وأخرجه البخاري من طريق عقيل بن خالد ، وأخرجه النسائي أيضا من طريق أيوب بن موسى خمستهم عن الزهري عن عروة عن عائشة .

                                                            (الثانية) رفاعة بكسر الراء القرظي بضم القاف ، وبالظاء المشالة من بني قريظة ، وهو ابن سموأل بفتح السين المهملة وإسكان الميم ، وقيل ابن رفاعة [ ص: 95 ] وهو أحد العشرة الذين نزل فيهم قوله تعالى ولقد وصلنا لهم القول الآية كما رواه الطبراني في معجم ، وابن مردويه في تفسيره من حديث رفاعة بإسناد صحيح ، وامرأته هذه اسمها تميمة بنت وهب كما . رواه مالك في الموطإ من رواية ابن وهب عنه عن المسور بن رفاعة عن الزبير بن عبد الرحمن بن الزبير عن أبيه أن رفاعة طلق امرأته ثلاثا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها فنكحها عبد الرحمن بن الزبير فاعترض عنها فلم يستطع أن يمسها فطلقها ، ولم يمسها فأراد رفاعة أن ينكحها ، وهو زوجها الذي كان طلقها قبل عبد الرحمن فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنهاه عن تزويجها ، وقال لا تحل لك حتى تذوق العسيلة . هكذا أسنده ابن وهب عن مالك في روايته ، ومن طريقه رواه البيهقي في سننه ، وابن عبد البر في التمهيد ، ورواه يحيى بن يحيى ، وأكثر رواة الموطإ عن مالك مرسلا لم يقولوا عن أبيه . قال ابن عبد البر ، وابن وهب من أجل من روى عن مالك هذا الشأن ، وأثبتهم فيه قال فالحديث مسند متصل صحيح ، وتابع ابن وهب على روايته عن مالك متصلا إبراهيم بن طهمان رواه النسائي في مسند مالك ، وعبيد الله بن عبد المجيد الحنفي قال ، وذكره أيضا سحنون عن ابن وهب ، وابن القاسم ، وعلي بن زياد كلهم عن مالك ، وفيه عن أبيه قال والدي رحمه الله في شرح الترمذي ، وكذا رواه القعنبي عن مالك متصلا رواه الطبراني في معجمه الكبير عن عبد العزيز عن القعنبي انتهى . وهذا الذي ذكرته من أنها تميمة بنت وهب هو الذي ذكره ابن بشكوال في مبهماته ، وقال ابن طاهر في مبهماته هي أميمة بنت الحارث كما روي عن ابن عباس ، وقيل تميمة بنت أبي عبيد القرظية روي عن قتادة ، وفي حديث عائشة تميمة بنت وهب

                                                            ، وعبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي ، وكسر [ ص: 96 ] الباء بلا خلاف صحابي معروف ، والزبير هو ابن باطا ، وقيل باطيا قرظي قتل على يهوديته في غزوة بني قريظة . وذكر ابن منده ، وأبو نعيم في كتابيهما (معرفة الصحابة) أنه من الأنصار من الأوس ، وأنه الزبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس قال والدي رحمه الله في شرح الترمذي ، وليس يجيد . وحكى النووي في شرح مسلم الأول عن المحققين ، وقال إنه الصواب ، وأما ابنه الزبير بن عبد الرحمن فقيل هو كجده بالفتح ، وصححه ابن عبد البر ، وحكاه عن رواية يحيى بن يحيى ، وابن وهب ، وابن القاسم ، والقعنبي وغيرهم ، وحكي الاختلاف فيه في رواية يحيى بن بكير ، والذي يقتضيه كلام البخاري ، والدارقطني ، وابن ما كولا أنه بالضم كالجد ، وصححه الذهبي

                                                            (الثالثة) قوله فبت طلاقها هو بتشديد المثناة من فوق أي طلقها ثلاثا ، وأصل البت القطع ، وهكذا رواه الجمهور ، وفي رواية للنسائي (فأبت) رباعي ، وهي لغة ضعيفة حكاها الجوهري عن الفراء ، وحكى عن الأصمعي إنكارها يقال بت يبت بالضم في المضارع ، وحكى فيه الكسر أيضا قال في الصحاح ، وهو شاذ لأن باب المضاعف إذا كان يفعل منه مكسورا لا يجيء متعديا إلا أحرف معدودة ، وهي بته يبته ويبته ، وعله في الشرب يعله ويعله ، وتم الحديث يتمه ويتمه ، وشده يشده ويشده ، وحبه يحبه قال وهذه وحدها على لغة واحدة أي ، وهي الكسر قال : وإنما سهل تعدي هذه الأحرف إلى المفعول اشتراك الضم والكسر فيهن .

                                                            (الرابعة) قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة تطليقه إياها بالبتات من حيث اللفظ يحتمل بأن يكون بإرسال الطلقات الثلاث ، ويحتمل أن يكون بإيقاع آخر طلقة ، ويحتمل أن يكون بإحدى الكنايات التي تحمل على البينونة عند جماعة من الفقهاء ، وليس في اللفظ عموم ، ولا إشعار بأحد هذه المعاني ، وإنما يؤخذ ذلك من أحاديث أخر تبين المراد ، ومن احتج على شيء من هذه الاحتمالات بالحديث فلم يصب لأنه إنما دل على مطلق البت ، والدال على المطلق لا يدل على أحد قيديه بعينه قلت اعتبر الشيخ لفظ الرواية التي شرحها ، وهذه الرواية التي هنا صريحة في الاحتمال الثاني فإن لفظها فطلقها آخر ثلاث تطليقات فدل على أنه لم يجمعها لها دفعة واحدة ، واعتبر ابن عبد البر لفظ الرواية [ ص: 97 ] التي سقناها من الموطإ فاستدل به على جواز جمع الطلقات الثلاث ثم قال ويحتمل أن يكون طلاقه ذلك آخر ثلاث طلقات ، ولكن الظاهر لا يخرج عنه إلا ببيان انتهى .

                                                            وقد عرفت أن هذا الاحتمال هو صريح لفظ الرواية التي نحن في شرحها ، واعتبر القرطبي لفظة فبت طلاقها ، وقال ظاهره أنه قال لها أنت طالق ألبتة فيكون حجة لمالك على أن ألبتة محمولة على الثلاث في المدخول بها ثم قال ويحتمل أن يريد به آخر الثلاث كما في الرواية الأخرى أن رجلا طلق امرأته ثلاثا ، وجاز أن يعبر عنها بالبتات لأن الثلاث قطعت جميع العلق انتهى .

                                                            وكل ذلك ذهول عن قوله في هذه الرواية : فطلقها آخر ثلاث تطليقات ، والله أعلم .

                                                            (الخامسة) قوله فقالت يا نبي الله إنها كانت عند رفاعة إلى آخره ليس فيه حكاية لفظها ، ولو حكاه كما هو لقال إني كنت إلى آخره ، وكلا الأمرين سائغ في لغة العرب تقول قلت لعبد الله ما أكرمه ، وقلت لعبد الله ما أكرمك .

                                                            (السادسة) (الهدبة) بضم الهاء وإسكان الدال بعدها باء موحدة هي طرف الثوب الذي لم ينسج ، وهو ما يبقى بعد قطع الثوب من السداء شبه بهدب العين ، وهو شعر جفنها ثم يحتمل أن يكون تشبيه الذكر بالهدبة لصغره ، ويحتمل أن يكون لاسترخائه ، وعدم انتشاره .

                                                            (السابعة) قوله فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النووي قال العلماء إن التبسم للتعجب من جهرها وتصريحها بهذا الذي تستحي النساء منه في العادة أو لرغبتها في زوجها الأول ، وكراهة الثاني قال أبو العباس القرطبي ، وفيه أن مثل هذا إذا صدر من مدعيته لا ينكر عليها ، ولا توبخ بسببه فإنه في معرض المطالبة بالحقوق ، ويدل على صحته أن أبا بكر لم ينكر ، وإن كان خالد قد حركه الإنكار وحضه عليه انتهى .

                                                            (الثامنة) قوله لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة هكذا رويناه بفتح التاء وكسر الجيم ويجوز أن يكون بضم التاء وفتح الجيم مبنيا للمفعول ، وسببه أنه فهم عنها إرادة فراق عبد الرحمن ، وإرادة أن يكون فراقه سببا للرجوع إلى رفاعة ، وكأنه قيل لها إن هذا المقصود لا يحصل على تقدير أن يكون الأمر على ما ذكرت .

                                                            (التاسعة) قوله لا حتى تذوقي عسيلته ، ويذوق عسيلتك هو بضم العين ، وفتح السين تصغير [ ص: 98 ] عسلة ، وهي كناية عن الجماع شبه لذته بلذة العسل وحلاوته قالوا وأنث العسيلة لأن في العسل لغتين التذكير والتأنيث ، وقيل أنثها على إرادة اللذة ، وقيل أنثها على إرادة النطفة ، وهو ضعيف لأن الإنزال لا يشترط ، وقال الجوهري صغرت العسلة بالهاء لأن الغالب في العسل التأنيث قال ، ويقال إنما أنث لأنه أريد به العسلة ، وهي القطعة منه كما يقال للقطعة من الذهب ذهبة ا هـ . وجاء في حديث مرفوع أن العسيلة الجماع روي من طريق أبي عبد الملك لعمر أي عن ابن أبي مليكة عن عائشة رواه أحمد ، وأبو يعلى في مسنديهما ، وهو يدل على أنه لا يعتبر فيه الإنزال .

                                                            (العاشرة) فيه أن المطلقة ثلاثا لا تحل لمطلقها حتى تنكح زوجا غيره ويطأها ثم يفارقها وتنقضي عدتها ، ولا تحل للأول بمجرد عقد الثاني عليها ، وبه قال جميع العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ، وقال سعيد بن المسيب إذا عقد الثاني عليها ثم فارقها حلت للأول ، ولا يشترط وطء الثاني لقوله (حتى تنكح زوجا غيره) والنكاح حقيقة في العقد على الصحيح ، وأجاب الجمهور بأن هذا الحديث مخصص لعموم الآية ، ومبين للمراد بها قال العلماء ، ولعل سعيد بن المسيب لم يبلغه هذا الحديث .

                                                            قال القاضي عياض لم يقل أحد بقول سعيد في هذا إلا طائفة من الخوارج ، واتفق العلماء على أن تغييب الحشفة في قبلها كاف في ذلك من غير إنزال المني ، وشذ الحسن البصري فشرط في التحليل إنزال المني ، وجعله حقيقة العسيلة .

                                                            وقال الجمهور الإيلاج مظنة اللذة والعسيلة فنيط الحكم به ولو وطئها في نكاح فاسد لم تحل للأول على الصحيح لأنه ليس بزوج ، وروي عن الحكم بن عتيبة أنه يحلها .

                                                            وحكي قولا عن الشافعي ، ومنهم من أنكره ، ومنهم من طرده في وطء الشبهة قال أصحابنا ، وسواء كان قوي الانتشار أو ضعيفه فاستعان بأصبعه أو أصبعها فإن لم يكن انتشار أصلا لتعنين أو شلل أو غيرهما لم يحصل التحليل على الصحيح ، وبه قطع جمهور أصحابنا في كتبهم لعدم ذوق العسيلة ، وحصله الشيخ أبو محمد الجويني والغزالي لحصول الوطء وأحكامه ، واعتبر المالكية والحنابلة أيضا الانتشار ، واكتفى الشافعية والحنابلة بالوطء ، ولو مع الجنون أو الإغماء أو النوم سواء كان ذلك فيه أو فيها ، وبه [ ص: 99 ] قال ابن الماجشون .

                                                            ، والمشهور عند المالكية اشتراط علم الزوجة خاصة بالوطء ، وقال أشهب المعتبر علم الزوج ، وقال الخطابي كان ابن المنذر يقول فيه دلالة على أنه إن واقعها ، وهي نائمة أو مغمى عليها لا تحس باللذة فإنها لا تحل للزوج الأول لأنها لم تذق العسيلة ، وقال ابن حزم الظاهري لا يحصل التحليل فيما إذا كانت في غير عقلها بإغماء أو سكر أو جنون ، ولا ، وهو كذلك فإن بقي من حسه ومن حسها في هذه الأحوال أو في النوم ما تدرك به اللذة أحلها ذلك ، واعتبر المالكية بلوغ الزوج .

                                                            ولم يعتبره الحنفية والشافعية والحنابلة فاكتفى الشافعية بتأتي الجماع منه ، واعتبر الحنفية والحنابلة أن يكون مراهقا ، ولعل التعبيرين مستويان في المعنى ، واكتفى الشافعية بوطء الزوج ، ولو كان محرما كالوطء في الحيض والإحرام والصيام ، وبه قال ابن الماجشون .

                                                            والمشهور عند المالكية والحنابلة عدم الاكتفاء بذلك ، وأنه لا بد أن يكون الوطء حلالا ، وبه قال أهل الظاهر ، ومسائل التحليل كثيرة فلنقتصر منها على ما ذكرناه .



                                                            (الحادية عشرة) استدل البخاري في صحيحه على جواز شهادة المختبئ ، ووجهه أن خالد بن سعيد بن العاص رتب على سماع كلام هذه المرأة ، وهي وراء حجاب قوله يا أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وأجازه عمرو بن حريث قال ، وكذلك يفعل بالكاذب الفاجر ، وقال الشعبي وابن سيرين وعطاء وقتادة السمع شهادة ، وكان الحسن يقول لم تشهدوني على شيء ، وإني سمعت كذا وكذا ، ومذهب الأئمة الأربعة جواز شهادة المختفي لكن لا بد من مشاهدة المشهود عليه حال تحمل الشهادة ، ومنع بعض المالكية شهادة المختفي إذا كان المشهود عليه مخدوعا أو خائفا .

                                                            (الثانية عشرة) قوله (عما تجهر به) أي ترفع صوتها قال أبو العباس القرطبي ، وفي غير كتاب مسلم (تهجر) من الهجر ، وهو الفحش من القول .



                                                            (الثالثة عشرة) استدل به على أن العنين لا نضرب له أجلا ، ولا نفسخ عليه نكاح زوجته إذا تبينت عنته بانقضاء المدة لأنه عليه الصلاة والسلام لم يضرب لهذه المرأة أجلا على زوجها عبد الرحمن بن الزبير ، وبهذا قال الحكم وابن علية وداود ، وخالفهم جمهور العلماء من السلف ، والخلف ، وتوهمهم من هذا الحديث لا أصل [ ص: 100 ] له لأنها لم تأت شاكية زوجها ، وطالبته فسخ نكاحه بالعنة فإنه طلقها كما دلت عليه الرواية التي سقناها من الموطإ ، وروى ابن عبد البر في التمهيد من طريق سليمان بن يسار عن عائشة أن رجلا طلق امرأته ثلاثا فتزوجها رجل فطلقها قبل أن يدخل بها فأراد الأول أن يتزوجها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا حتى تذوقي من عسيلته قال ، وهو حديث لا مطعن لأحد في ناقليه (قلت) والتصريح بذلك أيضا في صحيح البخاري في الطلاق من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت طلق رجل امرأته فتزوجت زوجا غيره وكانت معه مثل الهدبة فلم تصل منه إلى شيء تريده فلم تلبث أن طلقها فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ، وقال أبو العباس القرطبي لا حجة في هذا الحديث لأن الزوج لم يصدقها على ذلك بدليل قوله في رواية البخاري في هذا الحديث فقال كذبت والله إني لأنفضها نفض الأديم ولكنها ناشز تريد أن ترجع إلى رفاعة .



                                                            (الرابعة عشرة) قال ابن عبد البر في قوله تريدين أن ترجعي إلى رفاعة دليل على أن إرادة المرأة الرجوع إلى زوجها لا يضر العاقد عليها ، وأنها ليست بذلك في معنى التحليل المستحق صاحبه اللعنة .

                                                            (الخامسة عشرة) قال ابن عبد البر بعد تقريره اشتراط الوطء في التحليل، وأن المراد بالنكاح في جميع القرآن العقد إلا في قوله تعالى حتى تنكح زوجا غيره فإن المراد به العقد والوطء معا ، وفيه حجة لمالك في أنه لا يقع التحليل في الأيمان إلا بأكمل الأشياء ، وأن التحريم يقع بأقل شيء ألا ترى أن تحريم نكاح زوجة الأب والابن يحصل لمجرد العقد ، ولو طلق بعض امرأته أو ظاهر من بعضها لزمه حكم الطلاق ، ولو عقد على امرأة بعض نكاح أو على بعض امرأة نكاحا لم يصح قال ، وقد يعترض على ذلك بأن التحريم لا يحصل في الربيبة بالعقد على الأم حتى ينضم إليه الدخول (قلت) وألزم ابن حزم المالكية أن يقولوا بقول الحسن في اعتبار الإنزال لاعتبارهم في التحليل بأكمل الأشياء ، والله أعلم .




                                                            الخدمات العلمية