الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : وقل لهم ، يا محمد ، والله أعلم بالظالمين ، والله هو الذي يتوفى أرواحكم بالليل فيقبضها من أجسادكم " ويعلم ما جرحتم بالنهار " يقول : ويعلم ما كسبتم من الأعمال بالنهار . [ ص: 405 ]

ومعنى " التوفي " في كلام العرب استيفاء العدد ، كما قال الشاعر :


إن بني الأدرم ليسوا من أحد ولا توفاهم قريش في العدد



بمعنى : لم تدخلهم قريش في العدد .

وأما " الاجتراح " عند العرب ، فهو عمل الرجل بيده أو رجله أو فمه ، وهي " الجوارح " عندهم ، جوارح البدن فيما ذكر عنهم . ثم يقال لكل مكتسب عملا " جارح " لاستعمال العرب ذلك في هذه " الجوارح " ثم كثر ذلك في الكلام حتى قيل لكل مكتسب كسبا ، بأي أعضاء جسمه اكتسب : " مجترح " .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

13309 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار " أما " يتوفاكم بالليل " ففي النوم ، وأما " يعلم ما جرحتم بالنهار " فيقول : ما اكتسبتم من الإثم .

13310 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار " يعني : ما اكتسبتم من الإثم . [ ص: 406 ]

13311 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور قال : حدثنا معمر ، عن قتادة : " ما جرحتم بالنهار " قال : ما عملتم بالنهار .

13312 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

13313 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " وهو الذي يتوفاكم بالليل " يعني بذلك نومهم " ويعلم ما جرحتم بالنهار " أي : ما عملتم من ذنب فهو يعلمه ، لا يخفى عليه شيء من ذلك .

13314 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار " قال : أما وفاته إياهم بالليل ، فمنامهم وأما " ما جرحتم بالنهار " فيقول : ما اكتسبتم بالنهار .

قال أبو جعفر : وهذا الكلام وإن كان خبرا من الله تعالى عن قدرته وعلمه ، فإن فيه احتجاجا على المشركين به ، الذين كانوا ينكرون قدرته على إحيائهم بعد مماتهم وبعثهم بعد فنائهم . فقال - تعالى ذكره - محتجا عليهم : " وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى " يقول : فالذي يقبض أرواحكم بالليل ويبعثكم في النهار ، لتبلغوا أجلا مسمى ، وأنتم ترون ذلك وتعلمون صحته ، غير منكر له القدرة على قبض أرواحكم وإفنائكم ، ثم ردها إلى أجسادكم ، وإنشائكم بعد مماتكم ، فإن ذلك نظير ما تعاينون وتشاهدون ، وغير منكر لمن قدر على ما تعاينون من ذلك ، القدرة على ما لم تعاينوه . وإن الذي لم تروه ولم تعاينوه من ذلك ، شبيه ما رأيتم وعاينتم . [ ص: 407 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية