الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            آخر صلاة صلاها بالناس- صلى الله عليه وسلم-

            روى البخاري والبلاذري عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- عن أمه أم الفضل قالت : خرج علينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو عاصب رأسه في مرضه في بيته في ثوب واحد ، قد توشح به ، فصلى بنا المغرب ، فقرأ بالمرسلات فما صلى لنا بعدها حتى لقي الله ، أرادت فما صلى بعدها بالناس .

            وروى البيهقي من طريقين ، قال ابن كثير : وإسناده على شرط الصحيح عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : آخر صلاة صلاها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع القوم في ثوب واحد برد مخالفا بين طرفيه فلما أراد أن يقوم قال : ادع لي أسامة بن زيد فجاء فأسند ظهره إلى نحره فكانت آخر صلاة صلاها .

            قال البيهقي : ففي هذا دلالة أن هذه الصلاة كانت صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة ; لأنها آخر صلاة صلاها لما ثبت أنه توفي ضحى يوم الاثنين . وهذا الذي قاله البيهقي أخذه مسلما من " مغازي موسى بن عقبة " فإنه كذلك ذكر . وكذا روى أبو الأسود ، عن عروة ، وذلك ضعيف ، بل هذه آخر صلاة صلاها مع القوم ، كما تقدم تقييده في الرواية الأخرى ، والحديث واحد فيحمل مطلقه على مقيده ، ثم لا يجوز أن تكون هذه صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة ، لأن تلك لم يصلها مع الجماعة ، بل في بيته لما به من الضعف ، صلوات الله وسلامه عليه .

            والدليل على ذلك ما قال البخاري ، رحمه الله ، في " صحيحه " : حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني أنس بن مالك ، وكان تبع النبي صلى الله عليه وسلم وخدمه وصحبه ، أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه ، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف ، تبسم يضحك ، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف ، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة ، فأشار إلينا صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم ، وأرخى الستر ، فتوفي من يومه صلى الله عليه وسلم . وقد رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة وصالح بن كيسان ومعمر ، عن الزهري ، عن أنس .

            ثم قال البخاري : ثنا أبو معمر ، ثنا عبد الوارث ، ثنا عبد العزيز ، عن أنس بن مالك قال : لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا ، فأقيمت الصلاة ، فذهب أبو بكر يتقدم ، فقال نبي الله : " عليكم بالحجاب " فرفعه فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظرا كان أعجب إلينا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا ، فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم ، وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب ، فلم يقدر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم . ورواه مسلم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن أبيه به . فهذا أوضح دليل على أنه ، عليه الصلاة والسلام ، لم يصل يوم الاثنين صلاة الصبح مع الناس ، وأنه كان قد انقطع عنهم ; لم يخرج إليهم ثلاثا .

            قلنا فعلى هذا يكون آخر صلاة صلاها معهم الظهر ، كما جاء مصرحا به في حديث عائشة المتقدم ، ويكون ذلك يوم الخميس لا يوم السبت ، ولا يوم الأحد كما حكاه البيهقي عن " مغازي موسى بن عقبة " ، وهو ضعيف ; لما قدمنا من خطبته بعدها ، ولأنه انقطع عنهم يوم الجمعة ، والسبت ، والأحد ، وهذه ثلاثة أيام كوامل .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية