الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            تردد جبريل عليه السلام إلي النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام قبل أن يموت برسالة من الله عز وجل

            يقول له: كيف تجدك ، وكان ذلك في يوم السبت والأحد [والاثنين] ، واستئذان ملك الموت عليه في يوم الاثنين . وزيارة إسماعيل صاحب السماء الدنيا له- صلى الله عليه وسلم- وقبض روحه الشريفة وصفة خروجها وصفة الثياب التي قبض فيها

            روى ابن سعد والبيهقي عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه معضلا والإمام الشافعي في مسنده ، والطبراني عنه عن جده عن أبي الحسين مرسلا ، ومحمد بن يحيى وبقي بن مخلد عنه عن أبيه عن جده عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب موصولا- ورجاله ثقات- أنه لما كان قبل وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بثلاثة أيام هبط جبريل إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال : يا محمد وفي رواية يا أحمد إن الله أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا وخاصة لك ، ليسألك عما هو أعلم به منك

            - وفي حديث أبي هريرة عن ابن الجوزي فقال : إن الله عز وجل يقرئك السلام يقول : كيف تجدك ؟ قال : «أجدني يا جبريل مغموما ، وأجدني يا جبريل مكروبا» [فلما كان اليوم الثاني هبط إليه جبريل فقال : يا أحمد إن الله أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك وخاصة لك يسألك عما هو أعلم به منك ، يقول لك : كيف تجدك ؟

            قال : «أجدني يا جبريل مغموما ؟ وأجدني يا جبريل مكروبا» ] . فلما كان اليوم الثالث هبط جبريل ومعه ملك الموت ، ومعهما ملك آخر يسكن الهواء لم يصعد إلى السماء قط ، ولم يهبط إلى الأرض قط ، يقال له إسماعيل ، على سبعين ألف ملك كل ملك على سبعين ألف ملك ، فسبقهم جبريل فقال : يا محمد إن الله أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا وخاصة لك ، يسألك عما هو أعلم به منك-
            وفي حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- عند ابن الجوزي فقال : يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام [يقول : كيف تجدك ؟ قال : «أجدني يا جبريل مغموما ، وأجدني يا جبريل مكروبا»

            وفي حديث أبي الحويرث عند البيهقي «إن جبريل قال له : إن ربك يقرئك السلام] ويقول لك : إن شئت شفيتك وكفيتك ، وإن شئت توفيتك ، وغفرت لك قال : «ذلك إلى ربي يصنع بي ما يشاء» انتهى .

            استئذان ملك الموت على رسول الله ثم استأذن ملك الموت على الباب فقال جبريل يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك ، ولم يستأذن على آدمي كان قبلك ، ولا يستأذن على آدمي بعدك ، قال ائذن له ، فدخل .

            وفي حديث ابن عباس عند الطبراني أنه قال : السلام عليك ورحمة الله وبركاته ، إن ربك يقرئك السلام ، قال : فبلغني أن ملك الموت لم يسلم على أهل بيت قبله ، ولا يسلم بعده . انتهى .

            فوقف بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : إن الله أرسلني إليك ، وأمرني أن أطيعك فيما أمرتني ، إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها يا أحمد ، وإن أمرتني أن أتركها تركتها قال : وتفعل ذلك يا ملك الموت ؟ قال نعم ، بذلك أمرت أن أطيعك في كل ما أمرتني ، فقال جبريل : يا أحمد إن الله قد اشتاق إلى لقائك . فقال : يا ملك الموت امض لما أمرت به فقال جبريل عليه الصلاة والسلام : عليك يا رسول الله ، هذا آخر موطئ الأرض .

            وفي حديث أبي هريرة عند ابن الجوزي وهذا آخر عهدي بالدنيا بعدك ، وهذا آخر عهدك بها ، ولن أستأذن على هالك من بني آدم بعدك ، ولن أهبط إلى الأرض على أحد بعدك أبدا ، فوجد النبي- صلى الله عليه وسلم- سكرات الموت .

            وفي حديث عائشة عند البخاري وغيره : «فبينما رأسه على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي ، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة ، فخرجت من فيه نقطة باردة فوقعت على ثغري ونحري فاقشعر لها جلدي ، فظننت أنه أغشي عليه ، فسجيته ثوبا .

            وفي حديث عائشة عند الطبراني فجعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمد يده ويقول : «يا جبريل» وهو يقبضها ويبسطها .

            وعند ابن عقبة فلم يزل يغمى عليه ساعة ثم يفيق ، ثم يشخص بصره إلى السماء .

            وفي حديث أبي الحويرث عند البيهقي أنه قال : ادن مني يا جبريل ، ادن مني يا جبريل .

            وفي حديث جعفر بن محمد عن أبيه أنه جعل يقول : «ادن مني يا جبريل ، ادن مني يا جبريل» ثلاثا قالت عائشة : فلقد سمعت ما لم أسمع ادن مني يا جبريل ، وهو يقول : لبيك لبيك .

            وفي حديث علي عند محمد بن يحيى بن أبي عمر- برجال ثقات- فقال جبريل : يا أحمد عليك السلام هذا آخر موطئ الأرض إنما كنت حاجتي من الدنيا .

            وفي حديث علي عند أبي نعيم لما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صعد ملك الموت باكيا إلى السماء والذي بعثه بالحق . لقد سمعت صوتا من السماء ينادي وامحمداه . انتهى .

            وعند ابن عقبة واشتد برسول الله- صلى الله عليه وسلم- الوجع فأرسلت إلى علي ، وأرسلت حفصة إلى عمر ، وأرسلت كل امرأة إلى خيمها ، فلم يرجعوا حتى توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على صدر عائشة في يومها .

            وعند البلاذري عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- رأيت يوما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحمر وجهه ويعرق جبينه ولم أكن رأيت قط ميتا قبله ثم قال : أقعديني فأقعدته فأسندته إلي ووضعت يدي عليه فقلب رأسه فوضعت يدي عنه ووقعت من فيه نقطة على صدري- أو قالت على ترقوتي- فسقط على الفراش فسجيناه بثوب فتوفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

            وفي حديث عائشة عند الإمام أحمد والبزار والبيهقي بسند صحيح قالت : لما خرجت نفسه لم أجد قط ريحا أطيب منها .

            وفي حديث لعائشة عند أبي يعلى وأحمد- برجال ثقات- ثم أقبل بوجهه إلي حتى إذا كان فاه في ثغرة نحري سال من فيه نقطة باردة اقشعر منها جلدي ، وثار ريح المسك في وجهي ، ومال رأسه فظننت أنه غشي عليه ، فأخذته فنومته على الفراش وغطيت وجهه .

            وفي حديث أم سلمة عند البيهقي قال : وضعت يدي على صدر النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم مات فمر بي جمع ، آكل وأتوضأ ما تذهب ريح المسك من يدي .

            وفي حديث ابن عمر عند البلاذري أنه- صلى الله عليه وسلم- لما قبض سجي بثوب ، وقعدنا حوله ، فبكى ، انتهى ، فأتاهم آت يسمعون حسه ولا يرون شخصه فقال : السلام عليكم يا أهل البيت ورحمة الله وبركاته .

            وفي حديث ابن عمر عند البلاذري فرددنا عليه السلام فقال : كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة [آل عمران 185] إلى قوله : متاع الغرور انتهى ، إن في الله خلفا من كل هالك ، وعزاء عن كل مصيبة ودركا من كل ما فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا .

            وفي حديث ابن عمر عند البلاذري نظركم في النبي ومصيبتكم ، فإن المصاب من حرم الثواب . انتهى .

            وفي حديث ابن عمر عند البلاذري فظننا أنه جبريل جاء يعزينا .

            وفي حديث بقي بن مخلد عند الشعبي وعند المدائني فقال علي : هذا الخضر يعزيكم عن نبيكم .

            وروى البخاري والطبراني وابن سعد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : قالت فاطمة لما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : يا أبتاه أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه يا أبتاه إلى جبريل فنعاه ، يا أبتاه من ربه ما أدناه .

            الثياب التي قبض فيها رسول الله وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي بردة قال : أخرجت لنا عائشة- رضي الله تعالى عنها- كساء ملبدا وإزارا غليظا فقالت : قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذين .

            وروى الإمام أحمد والبيهقي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : بين سحري ونحري وفي دولتي لم أظلم فيه أحدا . فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة وقمت مع النساء أبكي وألتدم .

            وروى البزار وأبو الحسن بن الضحاك عنها قالت : رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوما في مرضه وقد عرق وجهه وجبينه فقال : «أقعديني» فأسندته إلي فوضعت يدي عليه ، فقلب رأسه فرفعت يدي عنه ، فظننت أنه يريد شيئا من رأسي ، فوقعت من فمه نقطة باردة على صدري ، ثم مال فسقط على الفراش فسجيته بثوب ولم أكن رأيت الموت» . تنبيهات

            الأول : قوله : «إن الله قد اشتاق إلى لقائك» معناه : قد أراد لقاءك بأن يردك من دنياك إلى معادك . زيادة في قربك وكرامتك .

            الثاني : روى البيهقي وأبو نعيم من طريق الواقدي عن شيوخه : شكوا في النبي- صلى الله عليه وسلم- قال بعضهم : مات وقال بعضهم : لم يمت ، فوضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفي النبي- صلى الله عليه وسلم- فقالت قد رفع الخاتم من بين كتفيه فكان هذا عرف بعد موت النبي- صلى الله عليه وسلم- .

            الثالث : اشتهر على الألسنة أن جبريل لا ينزل إلى الأرض بعد موت النبي- صلى الله عليه وسلم- .

            قال الشيخ في «فتاويه» وهذا شيء لا أصل له ، ومن الدليل على بطلانه ما رواه الطبراني عن ميمونة بنت سعد قالت : قلت : يا رسول الله هل يرقد الجنب قال : «ما أحب أن يرقد حتى يتوضأ فإني أخاف أن يتوفى فلا يجهزه جبريل» .

            وما رواه أيضا نعيم بن حماد [في كتاب الفتن والطبراني ] من حديث ابن مسعود عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في وصف الدجال قال : «فيمر بمكة فإذا هو بخلق عظيم فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا ميكائيل بعثني الله لأمنعه من حرمه [ويمر بالمدينة فإذا هو بخلق عظيم فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا جبريل بعثني الله لأمنعه من حرمه] .

            وقال الضحاك : في قوله تعالى : تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم [القدر 4] إن الروح هنا جبريل ، وإنه ينزل مع الملائكة في ليلة القدر ، ويسلمون على المسلمين في كل سنة .

            الرابع : قول السيدة عائشة «ألتدم» .

            قال السهيلي وغيره : الالتدام : ضرب الخد باليد ، واللادم : المرأة التي تلدم والجمع : اللدم بتحريك الدال وقد لدمت المرأة تلدم لدما ولم يدخل هذا في التحريم ، لأن التحريم إنما وقع على الصراخ والنوح ، ولعنت الخارقة والحالقة والصالقة- وهي الرافعة لصوتها- ولم يذكر اللدم لكنه وإن لم يذكر فإنه مكروه في حال المصيبة ، وتركه أحمد إلا على أحمد- صلى الله عليه وسلم- :


            فالصبر يحمد في المصائب كلها إلا عليك فإنه مذموم     وقد كان يدعى لابس الصبر حازما
            فأصبح يدعى حازما حين يجزع

            وهذا الحديث تفرد به ابن إسحاق ، وهو حسن الحديث إذا صرح بالتحدث ، وقد صرح به فقال : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال : سمعت عائشة إلخ .

            وقول السهيلي : إنه لا يدخل في التحريم خلاف الصحيح .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية