الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          ولا تصح ممن له دون السبع وفيما بينهما روايتان ، ولا تصح من غير عاقل كالطفل والمجنون والمبرسم ، وفي السكران وجهان وتصح وصية الأخرس بالإشارة ، ولا تصح وصية من اعتقل لسانه بها ، ويحتمل أن يصح ، وإن وجدت وصيته بخطه ، صحت ، ويحتمل أن لا يصح حتى يشهد عليه بما فيها .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ولا تصح ممن دون السبع ) قال أبو بكر : لا يختلف المذهب فيه ; [ ص: 6 ] لأنه لا تمييز له ، ولا تصح عبادته ، ولا إسلامه ، وعنه : تصح لسبع ، كعبادته ( وفيما بينهما ) أي : بين السبع والعشر ( روايتان ) أقيسهما : أنها تصح ; لأنه عاقل ، فيصح إسلامه ، ويؤمر بالصلاة ، وتصح منه ، كمن جاوز العشر ، والثانية : لا تصح ، وهي ظاهر الوجيز ; لأنه ضعيف الرأي ، أشبه من له دون السبع ، ومن الأصحاب كالقاضي ،وأبي الخطاب ، وهو ظاهر نقل الميموني أنه لا يقيد بسن ، بل إذا عقل تصح منه ، وعلم منه أنه إذا جاوز العشر قبل البلوغ أنها تصح في المنصوص ، وعنه إذا بلغ ثنتي عشرة سنة ، حكاها ابن المنذر ، وهي قول إسحاق ، وفيه وجه أنها لا تصح منه حتى يبلغ تبعا لابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ; لأنه تبرع بالمال فلم تصح منه كالهبة ، والفرق واضح ، وهذا في الصبي ، وأما الجارية فقد نص في رواية حنبل : أنها إذا بلغت تسع سنين .

                                                                                                                          ( ولا تصح من عاقل كالطفل ) وهو من له ست سنين فما دونها ( والمجنون والمبرسم ) وهو قول الأكثر فيهما ، وفي المغني لا نعلم أحدا قال بخلافه إلا إياس بن معاوية فإنه أجاز وصية الصبي والمجنون إذا وافقت الحق ، وفيه نظر ; لأنه لا حكم لكلامهما ، ولا تصرفهما ، فالوصية كذلك بل أولى ، فإنه إذا لم يصح إسلامه ، وصلاته التي هي محض نفع ، ولا ضرر فيها ، فأولى أن لا يصح بذله لمال يتضرر به وارثه ، لكن إن كان يجن في الأحيان ، فأوصى حال إفاقته ، فإنها تصح ; لأنه في حكم العقلاء في شهادته ، ووجوب العبادة عليه ، والمغمى عليه كذلك ( وفي السكران وجهان ) أصحهما : لا تصح ; لأنه غير عاقل ، أشبه [ ص: 7 ] المجنون ، وطلاقه إنما وقع تغليظا عليه ; لارتكابه المعصية . والثاني : يصح بناء على طلاقه .

                                                                                                                          ( وتصح وصية الأخرس بالإشارة ) أي : إذا فهمت ; لأنها أقيمت مقام نطقه في طلاقه ولعانه وغيرهما ، فإن لم تفهم ، فلا حكم لها ( ولا تصح وصية من اعتقل لسانه بها ) أي بالإشارة المفهمة إذا لم يكن مأيوسا من نطقه ، ذكره القاضي وابن عقيل ، قاله الثوري والأوزاعي ، لأنه غير مأيوس من نطقه ، وكالقادر على الكلام ، ويحتمل أن يصح كالأخرس ، واختاره ابن المنذر ، واحتج بأنه عليه السلام صلى وهو قاعد ، وأشار إليهم أن يقعدوا . رواه البخاري . وأخرجه ابن عقيل وجها إذا اتصل باعتقال لسانه الموت ، والأول أشهر ، والفرق واضح ( وإن وجدت وصيته بخطه ) الثابت بإقرار وارثه أو ببينة ( صحت ) نص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم ، وفيه : وعرف خطه ، وكان مشهور الخط يقبل ما فيها ; لقوله عليه السلام ما حق امرئ الخبر ، فلم يذكر شهادة ، ولأن الوصية يتسامح فيها ، ويصح تعليقها على الخطر والغرر وغيره ، فجاز أن يتسامح فيها بقبول الخط كرواية الحديث وكتابة الطلاق ( ويحتمل أن لا تصح حتى يشهد عليها بما فيها ) هذا رواية عن أحمد ، وهي قول الحسن وأبي ثور ; لأن الحكم لا يجوز برؤية خط بالشاهد بالشهادة فكذا هنا ، وأبلغ منه الحاكم ، فلو كتبها وختمها وأشهد عليه بما فيها ، لم يصح على المذهب ; لأن الشاهد لا يعلم ما فيها ، فلم يجز أن يشهد عليه ، ككتاب القاضي إلى القاضي ، وفيها رواية ذكرها الخرقي ، وهو قول جماعة من التابعين ، ومن بعدهم ، وعليه فقهاء البصرة وقضاتها ، واحتج أبو عبيد بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عماله وأمرائه في أمر ولايته ، [ ص: 8 ] وأحكامه ، وسننه ، ثم عمل به الخلفاء إلى عمالهم بالأحكام التي فيها الدماء والفروج والأموال مختومة ، لا يعلم حاملها ما فيها ، وأمضوها على وجهها ، وهذا أولى من المنع لظهور دليله ، ومن الأصحاب من خرج في كل مسألة رواية من الأخرى ، وهذا إذا لم يعلم رجوعه عنها ، وإن طالت مدته ، وتغيرت أحوال الموصي ; لأن الأصل بقاؤه ، فلا يزول حكمه بمجرد الاحتمال كسائر الأحكام .

                                                                                                                          فائدة : يستحب أن يكتب وصيته ، ويشهد عليها ; لأنه أحوط لها ، وأحفظ لما فيها ، وقد روى سعيد عن فضيل بن عياض ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، عن أنس ، قال كانوا يكتبون في صدور وصاياهم : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما أوصى به فلان أنه يشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ، ورسوله ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، أوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله ، ويصلحوا ذات بينهم ، ويطيعوا الله ورسوله ، إن كانوا مؤمنين ، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون [ البقرة 132 ] .




                                                                                                                          الخدمات العلمية