الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ) .

                                                                                                                                                                                                                                            وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : اعلم أن الأمانة عبارة عما إذا وجب لغيرك عليك حق فأديت ذلك الحق إليه فهذا هو الأمانة ، والحكم بالحق عبارة عما إذا وجب لإنسان على غيره حق فأمرت من وجب عليه ذلك الحق بأن يدفعه إلى من له ذلك الحق ، ولما كان الترتيب الصحيح أن يبدأ الإنسان بنفسه في جلب المنافع ودفع المضار ثم يشتغل بغيره ، لا جرم أنه تعالى ذكر الأمر بالأمانة أولا ، ثم بعده ذكر الأمر بالحكم بالحق ، فما أحسن هذا الترتيب ؛ لأن أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : أجمعوا على أن من كان حاكما وجب عليه أن يحكم بالعدل ، قال تعالى : ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) والتقدير : إن الله يأمركم إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل . وقال : ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) [ النحل : 90 ] وقال : ( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ) [ الأنعام : 152 ] وقال : ( ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) [ ص : 26 ] وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تزال هذه الأمة بخير ما إذا قالت صدقت ، وإذا حكمت عدلت ، وإذا استرحمت رحمت " وعن الحسن قال : إن الله أخذ على الحكام ثلاثا : أن لا يتبعوا الهوى ، وأن يخشوه ولا يخشوا الناس ، ولا يشتروا بآياته ثمنا قليلا . ثم قرأ ( ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض ) [ ص : 26 ] إلى قوله : ( ولا تتبع الهوى ) [ ص : 26 ] وقرأ ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون ) [ المائدة : 44 ] إلى قوله : ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) . ومما يدل على وجوب العدل الآيات الواردة في مذمة الظلم ، قال تعالى : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ) [ الصافات : 22 ] وقال - عليه الصلاة والسلام - : " ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة ، وأين أعوان الظلمة ، فيجمعون كلهم حتى من برى لهم قلما ، أو لاق لهم دواة ، فيجمعون ويلقون في النار " وقال أيضا : ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ) [ إبراهيم : 42 ] وقال : ( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) [ النمل : 52 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : الغرض من الظلم منفعة الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                            فأجاب الله عن السؤال بقوله : ( لم تسكن من بعدهم إلا قليلا وكنا نحن الوارثين ) [ القصص : 58 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية