الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم )

قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : قل لهؤلاء العادلين بربهم غيره من الأصنام والأوثان ، يا محمد : إن الذي ينجيكم من ظلمات البر والبحر ومن كل كرب ، ثم تعودون للإشراك به ، هو القادر على أن يرسل عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم ، لشرككم به ، وادعائكم معه إلها آخر غيره ، وكفرانكم نعمه ، مع إسباغه عليكم آلاءه ومننه .

وقد اختلف أهل التأويل في معنى " العذاب " الذي توعد الله به هؤلاء القوم أن يبعثه عليهم من فوقهم أو من تحت أرجلهم .

فقال بعضهم : أما العذاب الذي توعدهم به أن يبعثه عليهم من فوقهم ، فالرجم . وأما الذي توعدهم أن يبعثه عليهم من تحتهم ، فالخسف .

ذكر من قال ذلك :

13344 - حدثنا محمد بن بشار وابن وكيع قالا : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن أبي مالك : عذابا من فوقكم ، أو من تحت أرجلكم ، قال : الخسف .

13345 - حدثنا سفيان قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن الأشجعي ، [ ص: 417 ] عن سفيان ، عن السدي ، عن أبي مالك وسعيد بن جبير مثله .

13346 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبو سلمة ، عن شبل ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم " قال الخسف .

13347 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم " فعذاب السماء " أو من تحت أرجلكم " فيخسف بكم الأرض .

13348 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم " قال : كان ابن مسعود يصيح وهو في المجلس أو على المنبر : ألا أيها الناس ، إنه نزل بكم . إن الله يقول : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم " لو جاءكم عذاب من السماء لم يبق منكم أحد " أو من تحت أرجلكم " لو خسف بكم الأرض أهلككم ، لم يبق منكم أحد " أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض " ألا إنه نزل بكم أسوأ الثلاث .

وقال آخرون : عنى بالعذاب من فوقكم ، أئمة السوء " أو من تحت أرجلكم " الخدم وسفلة الناس .

ذكر من قال ذلك :

13349 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال سمعت خلادا يقول : سمعت عامر بن عبد الرحمن يقول : إن ابن عباس كان يقول في هذه : [ ص: 418 ] " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم " فأما العذاب من فوقكم ، فأئمة السوء وأما العذاب من تحت أرجلكم ، فخدم السوء .

13350 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : " قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم " يعني من أمرائكم " أو من تحت أرجلكم " يعني : سفلتكم .

قال أبو جعفر : وأولى التأويلين في ذلك بالصواب عندي ، قول من قال : عنى بالعذاب من فوقهم ، الرجم أو الطوفان وما أشبه ذلك مما ينزل عليهم من فوق رءوسهم ومن تحت أرجلهم ، الخسف وما أشبهه . وذلك أن المعروف في كلام العرب من معنى " فوق " و " تحت " الأرجل ، هو ذلك ، دون غيره . وإن كان لما روي عن ابن عباس في ذلك وجه صحيح ، غير أن الكلام إذا تنوزع في تأويله ، فحمله على الأغلب الأشهر من معناه أحق وأولى من غيره ، ما لم تأت حجة مانعة من ذلك يجب التسليم لها .

التالي السابق


الخدمات العلمية