الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعنها فقالت لما نزلت وإن كنتن تردن الله ورسوله دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بي فقال يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك قالت قد علم أبوي ، والله إن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه قالت فقرأ علي يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا فقلت إلى هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ذكره البخاري تعليقا ، ورواه هكذا ابن ماجه ، والنسائي ، وقال هذا خطأ لا نعلم أحدا من الثقة تابع معمرا على هذه الرواية يريد أن الصواب رواية الزهري عن أبي سلمة عن عائشة كما أخرجه الشيخان ، ولهما من رواية مرزوق عنها خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفكان طلاقا ، وللبخاري فاخترنا الله ، ورسوله فلم يعد ذلك علينا شيئا ، ولمسلم نحوه ، وله في رواية فلم يعد طلاقا .

                                                            التالي السابق


                                                            [ ص: 101 ] (الحديث الثالث)

                                                            وعنها قالت لما نزلت وإن كنتن تردن الله ورسوله دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بي فقال يا عائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك قالت قد علم والله إن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه قالت فقرأ علي يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا قلت أفي هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ذكره البخاري تعليقا ووصله هكذا ابن ماجه ، والنسائي ، وقال هذا خطأ لا نعلم أحدا من الثقات تابع معمرا على هذه الرواية يريد أن الصواب رواية الزهري عن أبي سلمة عن عائشة كما أخرجه الشيخان (فيه) فوائد : (الأولى) ذكر البخاري هذه الرواية تعليقا فقال عقب حديث الزهري عن أبي سلمة عن عائشة الذي سنذكره .

                                                            وقال عبد الرزاق ، وأبو سفيان المعمري عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ، وأسندها ابن ماجه فرواها عن محمد بن يحيى عن عبد الرزاق عن معمر ولفظه قد اخترت الله ورسوله ، وكذا رواها النسائي عن محمد بن عبد الأعلى عن محمد بن ثور عن معمر ، وقال هذا خطأ لا نعلم أحدا من الثقات تابع معمرا على [ ص: 102 ] هذه الرواية ، وقد رواه موسى بن أعين عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة ، ومحمد بن ثور ثقة انتهى .

                                                            وأخرجه البخاري من طريق شعيب بن أبي حمزة ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي من طريق يونس بن يزيد وكذا ذكره البخاري من طريقه تعليقا والنسائي أيضا من طريق ابن أعين عن معمر ، وكذا علقه البخاري من طريقه ، وأخرجه النسائي أيضا من طريق موسى بن علي أربعتهم عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة ، وقال النسائي ، وحديث يونس ، وموسى بن علي أولى بالصواب ، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ، وقد روي هذا أيضا عن الزهري عن عروة عن عائشة .

                                                            وقال المزي في الأطراف رواه ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة ، وكذلك رواه معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري انتهى .

                                                            وفي رواية يونس بن يزيد ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت ، وجمع البخاري في الطلاق بين رواية شعيب ، ويونس ، وذكر فيه هذه الزيادة ، وفي رواية النسائي من طريق يونس ، وموسى بن علي ، ولم يكن ذلك حين قاله لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واخترنه طلاقا من أجل أنهن اخترنه .

                                                            (الثانية) سبب نزول آية التخيير فيما روى أبو بكر بن مردويه في تفسيره من حديث الحسن مرسلا في عائشة رضي الله عنها طلبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبا فأمر الله تعالى نبيه أن يخير نساءه إما عند الله يردن أو الدنيا ، وهذا مرسل لكن يشهد له حديث جابر عند مسلم ، وفيه [ ص: 103 ] أنه عليه الصلاة والسلام قال : وهن حولي كما ترى يسألنني النفقة فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها ، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده قلن والله ما نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا أبدا ليس عنده ثم اعتزلهن شهرا أو تسعا وعشرين ثم نزل عليه هذه الآية يا أيها النبي قل لأزواجك فذكر الحديث .

                                                            (الثالثة) اختلف الصحابة رضي الله عنهم في أن التخيير في الآية هل كان بين إقامتهن في عصمته وفراقهن أو بين أن يبسط لهن في الدنيا أو لا يبسط لهن فيها فذهب إلى الأول عائشة وجابر ، وذهب إلى الثاني علي بن أبي طالب وابن عباس حكى ذلك والدي رحمه الله في شرح الترمذي ، وقال : الأول أصح ، وعائشة صاحبة القصد ، وهي أعرف بذلك مع موافقة ظاهر القرآن لقوله فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وهو الطلاق .

                                                            (الثالثة) قال النووي إنما بدأ بها لفضيلتها (قلت) وإن صح أنها السبب في نزول الآية فلعل البداءة بها لذلك



                                                            (الرابعة) قوله (فلا عليك أن لا تعجلي) معناه ما يضرك أن لا تعجلي قال النووي وإنما قال لها هذا شفقة عليها ، وعلى أبويها ، ونصيحة لهن في بقائها عنده صلى الله عليه وسلم فإنه يخاف أن يحملها صغر سنها ، وقلة تجاربها على اختيار الفراق فيجب فراقها فتنضر هي وأبواها وباقي النسوة بالاقتداء بها (قلت) ويدل لذلك قوله في حديث جابر عند مسلم أن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك الذي قلت فقال لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا ، ولكن بعثني معلما ميسرا ، ويحتمل أن الحامل له على قوله لها ذلك الكلام محبته لها ، وكراهة فراقها ، وهو منقبة لها رضي الله عنها .

                                                            (الخامسة) فيه منقبة ظاهرة لعائشة ثم لسائر أمهات المؤمنين رضي الله عنهن باختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة ، وفيه المبادرة إلى الخير وإيثار أمور الآخرة على الدنيا .

                                                            (السادسة) عد أصحابنا من خصائصه عليه الصلاة والسلام أنه يجب عليه تخيير نسائه بين مفارقته واختياره ، وحكى الحناطي ، وجها أن هذا التخيير كان مستحبا ، والصحيح الأول .



                                                            (السابعة) فيه أن من خير زوجته فاختارته لم يكن ذلك طلاقا ، ولم تقع [ ص: 104 ] به فرقة ، وقد صرحت بذلك عائشة رضي الله عنها بقولها خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعده طلاقا ، وفي لفظ فلم يكن طلاقا ، وفي لفظ فلم يعده علينا شيئا ، وفي لفظ أفكان طلاقا ، وكل هذه الألفاظ في الصحيح من رواية مسروق عنها ، وبه قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وهو مذهب الأئمة الأربعة ، وممن قال به عمر وابن مسعود وأبو الدرداء وابن عباس وغيرهم ، ووراء ذلك قولان شاذان (أحدهما) أنه يقع بذلك طلقة رجعية ، وهو محكي عن علي رضي الله عنه (والثاني) أنه يقع به طلقة بائنة ، وهو محكي عن زيد بن ثابت فروى ابن أبي شيبة في مصنفه عن زاذان قال كنا جلوسا عند علي فسئل عن الخيار فقال سألني عنها أمير المؤمنين عمر فقلت إن اختارت نفسها فواحدة بائن ، وإن اختارت زوجها فواحدة ، وهو أحق بها ، فقال ليس كما قلت إن اختارت نفسها فواحدة ، وإن اختارت زوجها فلا شيء ، وهو أحق بها فلم أجد بدا من متابعة أمير المؤمنين فلما وليت وأتيت في الفروج رجعت إلى ما كنت أعرف فقيل له رأيك في الجماعة أحب إلينا من رأيك في الفرقة فضحك ، وقال أما إنه أرسل إلى زيد بن ثابت فسأله فقال إن اختارت نفسها فثلاث ، وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة ، وحكى الترمذي عن أحمد بن حنبل أنه ذهب إلى قول علي .

                                                            وقال النووي ، وأبو العباس القرطبي كلاهما في شرح مسلم روي عن علي وزيد بن ثابت والحسن والليث بن سعد أن نفس التخيير يقع به طلقة بائنة سواء اختارت زوجها أم لا ، وحكاه الخطابي والنقاش عن مالك قال القاضي عياض لا يصح عن مالك قال ثم هو مذهب ضعيف مردود بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة ، ولعل القائلين به لم تبلغهم هذه الأحاديث انتهى .

                                                            وفي حكايتهما عن علي وقوع طلقة بائنة نظر فقد روى ابن أبي شيبة من طريقين عنه أنها رجعية ، وكذا حكاه عنه الترمذي ، والذي حكاه الخطابي عن الحسن البصري ومالك أنها رجعية يكون زوجها أحق بها ، وعن زيد بن ثابت رواية أخرى أنه لا يقع به شيء حكاها والدي رحمه الله في شرح الترمذي .

                                                            (الثامنة) الذي صدر من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن اختيار الله ورسوله والدار الآخرة ، واختلف أصحابنا فيما لو فرض أن واحدة منهن [ ص: 105 ] اختارت الدنيا هل كان يحصل الفراق بنفس الاختيار أو لا بد من طلاقها بعد ذلك على ، وجهين أصحهما الثاني ، واختلفوا أيضا هل كان جوابهن مشروطا بالفور أم لا ، والأصح لا ، فإن قلنا بالفور فهل كان يمتد امتداد المجلس أم المعتبر ما يعد جوابا في العرف ؟ ، وجهان ، واختلفوا أيضا هل كان قولها اخترت نفسي صريحا في الفراق أم لا ؟ وجهان ، وهل كان يحل له صلى الله عليه وسلم التزوج بها بعد الفراق ؟ وجهان . وهو قريب من الخلاف في أنه هل يحرم عليه طلاقهن بعد ما اخترنه ، وفيه لأصحابنا أوجه أصحها لا ، والثاني نعم ، والثالث يحرم عقيب اختيارهن ، ولا يحرم إذا انفصل ، ودلالة هذا الحديث قاصرة عن هذه المسائل ، والخوض فيها قليل الجدوى مع الاحتياج فيها إلى دليل سمعي ، ولا نعلمه ، والله أعلم .

                                                            (التاسعة) الذي دل هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام تلا عليهن هذه الآية الكريمة ، ولا ندري هل تكلم معها بشيء أم لا ، وقد تكلم الفقهاء فيما لو قال الشخص لزوجته اختاري فعده أصحابنا الشافعية كناية في تفويض الطلاق إليها وللشافعي رحمه الله في أن التفويض تمليك للطلاق أم توكيل فيه قولان أصحهما تمليك ، وهو الجديد فعلى هذا تطليقها يتضمن القبول ، ويشترط مبادرتها له فلو أخرت بقدر ما ينقطع القبول عن الإيجاب ثم طلقت لم يقع ، وقال ابن القاص وغيره لا يضر التأخير ما داما في المجلس ، وقال ابن المنذر لها أن تطلق متى شاءت ، ولا يختص بالمجلس ، والصحيح الأول ، وبه قال الأكثرون قالوا فإذا قال لها اختاري نفسك ، ويرى تفويض الطلاق إليها فقالت اخترت نفسي أو اخترت ، ونوت وقعت طلقة ، وهي رجعية إن كانت مدخولا بها ، ولو قال اختاري ، ولم يقل نفسك ، ونوى تفويض الطلاق فقالت اخترت فقال البغوي في التهذيب لا يقع الطلاق حتى تقول اخترت نفسي ، وأشعر كلامه بأنه لا يقع ، وإن نوت لأنه ليس في كلامه ولا كلامها ما يشعر بالفراق بخلاف قوله اختاري نفسك فإنه يشعر به فانصرف كلامها إليه ، وقال إسماعيل البوشنجي إذا قالت اخترت ثم قالت بعد ذلك أردت اخترت نفسي ، وكذبها الزوج فالقول قولها ويقع الطلاق ، ولو قالت اخترت نفسي ونوت وقعت طلقة ، وتكون رجعية إن كانت محلا للرجعة [ ص: 106 ] فلو قالت اخترت زوجي أو النكاح لم تطلق ، ولو قالت اخترت الأزواج أو اخترت أبوي أو أخي أو عمي طلقت على الأصح سواء قال اختاري نفسك أو اختاري فقط ، هذا كلام أصحابنا ، وقسم والدي رحمه الله في شرح الترمذي لفظ التخيير إلى صريح وكناية فالكناية كما تقدم ، والصريح كقوله خيرتك بين أن تبقي على الزوجية أو تطلقي أو نحو ذلك ، وتقول هي اخترت الطلاق ، ونحو ذلك فإن أراد أن هذا صريح في الطلاق ففيه نظر فقد يكون مراده أنها إذا اختارت الطلاق يطلقها لا أنه فوض ذلك إليها ، وقد تقدم أن الأصح فيما لو اختارت واحدة من أمهات المؤمنين الدنيا لا يحصل الفراق بنفس الاختيار بل لا بد من طلاقها ، وإن أراد أنه صريح في التخيير فقريب ، والله أعلم .

                                                            وقسم المالكية التفويض إلى توكيل وتمليك وتخيير فقالوا في التخيير ، وهذا عبارة ابن الحاجب في مختصره ، والتخيير مثل اختاريني أو اختاري نفسك ، وهو كالتمليك إلا أنه للثلاث في المدخول بها على المشهور نويا أو لم ينويا ما لم يقيد فيتعين ما قيد ، وقال اللخمي ينتزعه الحاكم له من يدها ما لم توقعه لأن الثلاثة ممنوعة ، وقيل يجوز بآية التخيير ، وأجيب بأن السراح فيها لا يقتضي الثلاث ، وإنما الرسول عليه الصلاة والسلام لا يندم ، ولا يرتجع ، وقيل طلقة ثانية ، وقيل رجعية كالتمليك ، وله مناكرتها فيما زاد ، وعلى المشهور لو أوقعت واحدة لم تقع ، وفي بطلان اختيارها قولان أما غير المدخول بها فتوقع الثلاث ، وله نيته ، ويحلف ، وإلا وقعت أي الثلاث فإن لم يكن له نية وقعت الثلاث ثم ذكر بقية فروع ذلك ، وتركتها لحصول المقصود من معرفة أصل مذهبهم في ذلك بما ذكرته .

                                                            وقال الحنابلة وهذه عبارة ابن تيمية في المحرر ، وإذا قال لها أمرك بيدك ينوي به الطلاق ملكته على التراخي ، ولو قال مكانه اختاري اختص بالمجلس ما داما فيه ، ولم يشتغلا بما يقطعه نص عليه أي الإمام أحمد مفرقا بينهما ، ولو قال طلقي نفسك فبأيهما يلحق على وجهين ثم قال : ولفظ الخيار توكيل بكناية تفتقر إلى نية الزوج الطلاق ، ويبطل برجوعه ، وبرد من وكله ثم قال ولا تملك المرأة بقوله اختاري فوق طلقة إلا بنية الزوج ثم [ ص: 107 ] قال وإذا نوى بقوله اختاري طلاقها في الحال لزمه .

                                                            وقال الحنفية ، وهذه عبارة صاحب الهداية : إذا قال لامرأته اختاري ينوي بذلك الطلاق فلها أن تطلق نفسها ما دامت في مجلسها ذلك ثم لا بد من النية في قوله اختاري لأنه يحتمل تخييرها في نفسها ، ويحتمل تخييرها في تصرف آخر غيره فإن اختارت نفسها كانت واحدة بائنة ، ولا يكون ثلاثا ، وإن نوى الزوج ذلك لأن الاختيار لا يتنوع بخلاف الإبانة لأن البينونة تتنوع ، ولا بد من ذكر النفس في كلامه أو كلامها حتى لو قال لها اختاري فقالت اخترت فهو باطل ، ولو قال اختاري فقالت أنا أختار نفسي فهي طالق ، والقياس أن لا تطلق لأن هذا مجرد وعد أو يحتمله فصار كما إذا قال طلقي نفسك فقالت أنا أطلق نفسي ، وجه الاستحسان حديث عائشة رضي الله عنها فإنها قالت لا بل أختار الله ورسوله ، واعتبره النبي صلى الله عليه وسلم جوابا منها ، ولأن هذه الصيغة حقيقة في الحال ، وتجوز في الاستقبال كما في كلمة الشهادة وأداء الشاهد بخلاف قولها أطلق نفسي لأنه يتعذر حمله على الحال لأنه ليس حكاية عن حالة قائمة ، ولا كذلك قولها أنا أختار نفسي لأنه حكاية عن حالة قائمة ، وهو اختيارها نفسها ، ولو قالت اخترت نفسي بتطليقة فهي واحدة تملك الرجعة لأن هذا اللفظ يوجب الانطلاق بعد انقضاء العدة فكأنها اختارت نفسها بعد العدة ، ولو قال لها اختاري بتطليقة فاختارت نفسها فهي واحدة تملك الرجعة لأنه جعل لها الاختيار لكن بتطليقة ، وهي معقبة للرجعة انتهى .

                                                            وإنما حكيت مذهب العلماء في التخيير فيما إذا اختارت نفسها ، وإن لم يكن في الحديث تعرض له لئلا يخلو الباب عن فقه هذه المسألة التي ذكرها الشيخ رحمه الله في التبويب ، وإنما حكيت عبارة هؤلاء المصنفين لتباين مذاهب هؤلاء الأئمة في تفاريع هذه المسألة كما عرفته ، واقتصرت على المهم من فروع ذلك ، ولم أذكر الخلاف العالي اختصارا ، والله أعلم على أن الخطابي قال في قول عائشة خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم نعد ذلك شيئا ، فيه دلالة على أنهن لو كن اخترن أنفسهن كان ذلك طلاقا فلذا قال أبو العباس القرطبي فيه أن المخيرة إذا اختارت نفسها أن نفس ذلك الخيار يكون طلاقا من غير احتياج إلى النطق بلفظ يدل على [ ص: 108 ] الطلاق سوى الخيار يقتبس ذلك من مفهوم لفظها انتهى قال أبو بكر بن العربي إذا اختارت نفسها فليس فيه نص من كتاب الله تعالى ، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما جرى في قصة بريرة حين أعتقت فخيرت في زوجها ، وذهب أهل الظاهر ، ومنهم ابن حزم إلى أنه لا يقع الطلاق ، وإن اختارت نفسها أو الطلاق




                                                            الخدمات العلمية