الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثانية : أن يكون للإمام في القيام ثلاث سكتات هكذا رواه سمرة بن جندب وعمران بن الحصين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاهن إذا كبر وهي الطولى منهن مقدار ما يقرأ من خلفه فاتحة الكتاب وذلك وقت قراءته لدعاء الاستفتاح فإنه إن لم يسكت يفوتهم الاستماع فيكون عليه ما نقص من صلاتهم فإن لم يقرءوا الفاتحة في سكوته واشتغلوا ، بغيرها فذلك عليه لا عليهم .

السكتة الثانية إذا فرغ من الفاتحة ليتم من يقرإ الفاتحة في السكتة الأولى فاتحته وهي كنصف السكتة الأولى .

السكتة الثالثة : إذا فرغ من السورة قبل أن يركع وهي أخفها وذلك بقدر ما تنفصل القراءة عن التكبير ، فقد نهي عن الوصل فيه .

التالي السابق


ثم قال المصنف رحمه الله تعالى : (الثانية : أن يكون للإمام في القيام ثلاث سكتات ) جمع سكتة كثمرة وثمرات (هكذا رواه سمرة بن جندب) بن هلال بن خديج بن مرة بن حزم بن عمرو بن جابر ذي الرياستين الفزاري أبو سعيد ، ويقال : أبو عبد الله ، ويقال : أبو عبد

[ ص: 196 ] الرحمن ، ويقال : أبو محمد ، ويقال : أبو سليمان صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلفه زياد ، ثم معاوية على الكوفة ، وعلى البصرة ، وكان شديدا على الحرورية مات بالبصرة سنة ثمان وخمسين . سقط في قدر مملوءة ماء حارا كان يتعالج بالقعود عليها من كزاز شديد أصابه ، فكان ذلك تصديقا لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - له ، ولأبي هريرة ، ولثالث معهما آخر : كم موتا في النار ، وروى له الجماعة (وعمران بن حصين) بن عبيد بن خلف بن عبد نهم بن سالم الخزاعي أبو نجيد الصحابي أسلم هو وأبو هريرة عام خيبر . نزل البصرة ، وكان قاضيا بها ، ومات بها سنة اثنين وخمسين ، وكان الحسن البصري يحلف بالله ما قدمها - يعني البصرة - راكب خير لهم من عمران بن الحصين . روى له الجماعة رويا - رضي الله عنهما - (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) كما سيأتي بيان ذلك (أولهن) كذا في النسخ ، ومثله في القوت ، والصواب أولاهن (إذا كبر) الإمام (وهي الطولى منهن) تأنيث الأطول (مقدار ما يقرأ من خلفه فاتحة الكتاب) وعبارة القوت : ليقرأ من وراءه الحمد ، ثم زيادة المصنف إيضاحا ، فقال (وذلك وقت قراءته) ، أي : الإمام (دعاء الاستفتاح) وجهت وجهي . . . إلخ (فإنه) ، أي الإمام (إن لم يسكت) تلك السكتة (فاتهم الاستماع) ، أي : استماع قراءته ، وقد أمروا بالاستماع ، والإنصات ، وإذا فاتهم ذلك نقص صواب صلاتهم (فيكون عليه) وبال (ما نقص من صلاتهم) لكونه تسبب لذلك (فإن) سكت الإمام (ولم يقرؤوا الفاتحة في سكوته ، أو اشتغلوا بغيرها) ، أي : الفاتحة (فذلك) وباله (عليهم لا عليه) ، ثم قال (والسكتة الثانية) هي (إذا فرغ من) قراءة (الفاتحة) ، وإنما ندبت (ليتمم من لم يقرأ الفاتحة في السكتة الأولى الفاتحة) ، وأخصر منه لفظ القوت : ليتم من بقي عليه شيء منها (وهي كنصف السكتة الأولى) ، ولفظ القوت : وهي على نصف الأولى (الثالثة : إذا فرغ من) قراءة (السورة) بعد الفاتحة ، وهي (قبل أن يركع) ، وهو أولى من لفظ القوت : والثالثة إذا أراد أن يركع (وهي أخفها) ، ولفظ القوت : أخفهن تكون كنصف الثانية (وذلك بقدر ما تنفصل القراءة عن التكبير ، فقد نهي عن الوصل فيه) ، ولفظ القوت : ذلك لئلا يكون مواصلا في صلاته بأن يصل التكبير بالقراءة ، ويصل القراءة بالركوع ، فقد نهي عن ذلك . أشار به إلى ما تقدم نقله عن السلف في تفسير النهي عن المواصلة ، وإذا تم بيان السكتات الثلاث فاعلم أنه ليس في حديث سمرة إلا سكتتان ، وأما عمران بن حصين ، فكان يحفظ سكتة ؛ ولذا أنكر على سمرة .

أما السكتة الأولى ، فأخرج الشيخان من حديث عمارة ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ . قلت : بأبي أنت وأمي أرأيتك سكوتك بين التكبير ، والقراءة ما تقول ؟ قال : أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد .

وأخرج البيهقي من طريق ابن أبي ذئب ، عن سعيد بن سمعان أتانا أبو هريرة في مسجد بني زريعة ، فقال : ثلاث كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعلهن تركها الناس : يرفع يديه إذا دخل في الصلاة مدا ، ويسكت بعد القراءة هنيهة يسأل الله من فضله ، ويكبر إذا ركع ، وإذا خفض . كذا لفظ يحيى بن سعيد القطان عنه ، وقال عامر بن علي ، عن ابن أبي ذئب : وليسكت قبل القراءة . ورواه عبيد الله الحنفي عنه ، وهذه هي السكتة التي قال عمران بن حصين حفظتها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وأما السكتتان الأخريان ، فأخرج أبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه من حديث قتادة ، عن الحسن أن سمرة بن جندب ، وعمران بن حصين تذاكرا ، فحدث سمرة أنه حفظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكتتين : سكتة إذا كبر ، وسكتة إذا فرغ من قراءة غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، فأنكر عليه عمران بن حصين ، فكتبا في ذلك إلى أبي بن كعب ، وكان في كتابه إليهما ، وفي رده عليهما أن سمرة قد حفظ . رواه أبو داود ، عن مسدد ، عن يزيد بن زريع عنه ، ورواه محمد بن المنهال ، عن ابن زريع ، فقال فيه : وسكتة إذا فرغ من قراءة السورة ، ولم يذكر الفاتحة .

وأخرج أبو داود ، وابن ماجه

[ ص: 197 ] من طريق يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : قال سمرة : حفظت سكتتين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة ؛ سكتة إذا كبر الإمام حتى يقرأ ، وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب ، وسورة عند الركوع ، فأنكر ذلك عمران بن حصين ، فكتبوا في ذلك إلى أبي بالمدينة ، فصدق سمرة ، وقيل : عن هشيم ، عن يونس ، وإذا قرأ : ولا الضالين سكت سكتة ، ولم يذكر السورة ، وقال حميد : عن الحسن ، وسكتة إذا فرغ من القراءة .

وأخرج أبو داود أيضا من طريق الأشعث ، عن الحسن إذا فرغ من القراءة كلها ، فأنت ترى الاختلاف في محل السكتة الثانية . قال البيهقي : ويحتمل أن يكون هذا التفسير - يعني قوله من القراءة كلها - وقع من رواية الحسن ، فلذلك اختلفوا .



(تنبيه) :

ذكر العراقي في تخريجه الصغير ، أخرج أحمد في مسنده من حديث سمرة قال : كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكتتان في صلاته ، وقال عمران : أنا أحفظهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحديث ، ثم قال : هكذا وجدته في المسند في غير ما نسخة صحيحة منه ، والمعروف أن عمران أنكر ذلك على سمرة . هكذا في غير موضع من المسند ، والسنن الثلاثة ، وابن حبان ، ووجدت بخط الحافظ ابن حجر تلميذه على طرة الكتاب حذاء قوله أنا أحفظهما صوابه : لا . قلت : أو ما ، وهكذا هو في سنن البيهقي من طريق مكي بن إبراهيم ، حدثنا ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان له سكتتان ، فقال عمران : ما أحفظهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فكتبوا فيه إلى أبي ، فكتب أبي أن سمرة قد حفظ . قلت لقتادة : ما السكتتان قال : سكتة حين يكبر ، والأخرى حين يفرغ من القراءة عند الركوع ، ثم قال مرة أخرى : سكتة حين يكبر ، وسكتة إذا قال : ولا الضالين .

وأخرج أبو داود من طريق عبد الأعلى ، حدثنا سعيد ، عن قتادة نحوه . قال : فقلت لقتادة : ما هاتان السكتتان ، فقال : إذا دخل في الصلاة ، وإذا فرغ من القراءة ، ثم قال بعد : وإذا قال : غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، وقد عرف من سياق هذه الروايات بيان السكتتين المتفق عليهما ، وبيان الثالثة أيضا ، وتقدم النقل عن الخطيب في شرح المنهاج أنه ذكر أربع سكتات ؛ الرابعة هي بين ولا الضالين وآمين ، ولم يذكرها المصنف ، وأن الزركشي عدها خمسة ؛ الخامسة هي بين الافتتاح ، والقراءة ، وفي المجموع تسمية كل من الأولى ، وهي بعد التكبير ، والثانية ، وهي بعد ولا الضالين سكتة مجاز ، فإنه لا يسكت حقيقة لما تقرر فيها ، وعلى قول الزركشي لا مجاز إلا في سكتة الإمام بعد التأمين ، والمشهور الأول .



(تنبيه) :

قال العراقي : وروى الدارقطني من حديث أبي هريرة ، وضعفه : من صلى صلاة مكتوبة مع الإمام ، فليقرأ بفاتحة الكتاب في سكتاته . أهـ .

قلت : وأخرجه الحاكم كذلك ، وزاد : ومن انتهى إلى أم القرآن فقد أجزأه .

(تنبيه) آخر

المحدثون لا يثبتون للحسن سماعا من سمرة إلا في هذا الحديث ، وحديث العقيقة ذكره المنذري في مختصر السنن .




الخدمات العلمية