الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 25 ] فصل ويجوز الرجوع في الوصية ، فإذا قال : قد رجعت في وصيتي ، أو أبطلتها ، ونحو ذلك ، بطلت ، فإن قال في الموصى به : هذا لورثتي أو ما أوصيت به لفلان كان رجوعا ، وإن وصى به لآخر ، ولم يقل ذلك ، فهو بينهما ، وإن باعه أو وهبه أو رهنه ، كان رجوعا ، وإن كاتبه أو دبره أو جحد الوصية ، فعلى وجهين ، وإن خلطه بغيره على وجه لا يتميز ، أو أزال اسمه ، فطحن الحنطة أو خبز الدقيق أو جعل الخبز فتيتا أو نسج الغزل أو نجر الخشبة بابا ونحوه ، أو انهدمت الدار ، وزال اسمها ، فقال القاضي : هو رجوع ، وذكر أبو الخطاب فيه وجهين وإن وصى له بقفيز من صبرة ، ثم خلط الصبرة بأخرى ، لم يكن رجوعا ، فإن زاد في الدار عمارة ، أو انهدم بعضها ، فهل يستحقه الموصى له على وجهين وإن وصى لرجل بمعين ، ثم قال : إن قدم فلان فهو له ، فقدم في حياة الموصي فهو له ، وإن قدم بعد موته ، فهو للأول في أحد الوجهين ، وفي الآخر : فهو للقادم .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( ويجوز الرجوع في الوصية ) لقول عمر : يغير الرجل ما شاء في وصيته ، وهو اتفاق في غير الوصية بالعتق ، ولأنها عطية تتنجز بالموت ، فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها ، كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه . وقال الشعبي وغيره : يغير ما شاء منها إلا العتق ; لأنه إعتاق بعد الموت ، فلم يملك تغييره كالتدبير . وجوابه بالمنع ، ولو سلم ، فالوصية تفارق للتدبير ، فإنه تعليق على شرط ، فلم يملك تغييره كتعليقه على صفة في الحياة ( فإذا قال : قد رجعت في وصيتي ، أو أبطلتها ، أو نحو ذلك ) كغيرتها ، أو فسختها ( بطلت ) لأنه صريح في الرجوع ( فإن قال في الموصى به : هذا لورثتي ) لأن ذلك ينافي كونه وصية ( أو ) قال ( ما أوصيت به لفلان كان رجوعا ) بغير خلاف نعلمه لرجوعه عن الأول وصرفه إلى الثاني أشبه ما لو صرح بالرجوع ( وإن وصى به لآخر ، ولم يقل ذلك ، فهو بينهما ) في قول الجمهور ; لتعلق حق كل واحد منهما على السواء ، فوجب أن يشتركا فيه ، كما لو قال : هو بينهما ، وقيل : للثاني ، ونقل الأثرم : يؤخذ بآخر الوصية ، وهو قول عطاء وطاوس ; لأن الثانية تنافي الأولى ، فإذا أتى بها كان رجوعا ، كما لو قال : هذا لورثتي ، ورد بالفرق ، وفي التبصرة للأول ، وأيهما مات ، فهو للآخر ; لأنه اشتراك تزاحم . فرع : لو وصى بثلثه لرجل ، ثم بثلثه لآخر ، فمتغايران ، وفي الرد يقسم بينهما ، ولو وصى بجميع ماله لرجل ، ثم وصى به لآخر ، فهو بينهما . [ ص: 26 ] ( وإن باعه أو وهبه أو رهنه ، كان رجوعا ) لأنه أزال ملكه عنه ، وذلك ينافي الوصية ، والرهن يراد للبيع ، أشبه ما لو باعه ، ولأن الوصية تنقل الملك حين الموت ، وذلك بقيمة القابلية له ، والقابلية للنقل غير موجودة فيما رهنه ، وكذا إن كان ثوبا ففصله ولبسه ، أو جارية فأحبلها أو أولدها ( وإن كاتبه أو دبره أو جحد الوصية ) أو أوجبه في بيع هبة ، فلم يقبل ، أو عرضه في بيع أو رهن أو وصى ببيعه أو هبته ( فعلى وجهين ) أصحهما : أنه رجوع ; لأن الكتابة والتدبير أقوى من الوصية ; لأنه يتنجز بالموت ، فيسبق أخذ الموصى له ، وجحدها ظاهر في الرجوع ، وفي الباقي يدل على اختياره الرجوع ، والثاني : لا يكون رجوعا ; لأن الكتابة والتدبير لا يخرج بهما عن ملكه ، والوصية عقد ، فلا تبطل بالجحود كسائر العقود ، وكإيجاره ، وتزويجه ، ولبسه ، وسكناه ، وهذا كله إذا كانت بمعين ، فإذا كانت بثلث ماله ، فيتلف أو يبيعه ، ثم يملك مالا آخر ، فهي باقية ، وليس برجوع . ( وإن خلطه بغيره على وجه لا يتميز ) ولا ينفصل عنه غالبا ، قاله في الرعاية ( أو أزال اسمه فطحن الحنطة ، أو خبز الدقيق ، أو جعل الخبز فتيتا ، أو نسج الغزل ، أو نجر الخشبة بابا ونحوه ، أو انهدمت الدار وزال اسمه ، فقال القاضي : هو رجوع ) صححه في المحرر ، وجزم به في الوجيز ; لأنه أزال اسمه ، وأخرجه عن دخوله في الاسم الدال على الموصى به ( وذكر أبو الخطاب فيه وجهين ) أحدهما : أنه رجوع ، وقاله أكثر العلماء ، ونصره في الشرح ، والثاني ، [ ص: 27 ] واختاره أبو الخطاب : إنه ليس برجوع ; لأن الموصى به باق أشبه غسل الثوب ، وهو لا يسمى غزلا ، كما لا يسمى الغزل كتانا ، وكذا الخلاف إذا ضرب البقرة ، أو ذبح الشاة ، أو بنى ، أو غرس ، ذكرهما ابن رزين في موطئه .

                                                                                                                          فرع إذا حدث بالموصى به ما يزيل اسمه من غير فعل الموصي ، كالحب إذا سقط وصار زرعا ، والدار إذا انهدمت وصارت فضاء ، فوجهان أشهرهما : البطلان ; لأن الباقي لا يتناوله الاسم . ( وإن وصى له بقفيز من صبرة ، ثم خلط الصبرة بأخرى لم يكن رجوعا ) لأنه كان مشاعا ، وبقي على إشاعته ، وسواء خلطها بمثلها ، أو دونها ، أو خير منها ، وقيل : إن خلطها بخير منها ، كان رجوعا ، وقدمه في الفروع ; لأنه لا يمكنه تسليم الموصى به إلا بتسليم خير منه ، ولا يجب على الوارث تسليم خير منه ، فصار متعذر التسليم ( فإن زاد ) الموصي ( في الدار عمارة ، أو انهدم بعضها ) في حياة الموصي ( فهل يستحقه الموصى له ؛ على وجهين ) كذا أطلقهما في الفروع في الزيادة ، أحدهما : لا يستحقه ; لأن الزيادة لم تتناولها الوصية ، والأنقاض لا تدخل في مسمى الدار ، وإنما يتبع الدار في الوصية ما يتبعها في البيع ، والثاني : يستحقها قدمه في الحاشية ; لأن الزيادة تابعة كالسمن ، والمنهدم قد دخل في الوصية ، فتبقى الوصية ببقائها ، والمذهب أن زيادة الموصى فيها للورثة دون المنهدم ، وقال ابن حمدان : الأنقاض ، أو العمارة إرث ، وقيل إن صارت فضاء في حياة الموصي بطلت الوصية ، وإن بقي اسمها أخذها لا ما انفصل منها .

                                                                                                                          فرع : إذا بنى فيها الوارث ، وقد خرجت من الثلث ، رجع على الموصى [ ص: 28 ] له بقيمة البناء ، وقيل : لا يرجع ، وعليه أرش ما نقص من الدار عما كانت عليه قبل عمارته ، وإن جهل الوصية ، فله قيمة بنائه غير مقلوع . فائدة : نقل الحسن بن ثواب عن أحمد في رجل قال : ثلثي لفلان ، ويعطى فلان منه مائة في كل شهر إلى أن يموت ، فهو للآخر منهما ، ويعطى هذا مائة في كل شهر ، فإن مات وفضل شيء ، رد إلى صاحب الثلث فحكم بصحة الوصية وإنفاذها على ما أمر به الموصي .

                                                                                                                          ( وإن وصى لرجل بمعين ، ثم قال : إن قدم فلان ، فهو له ، فقدم في حياة الموصى ، فهو له ) لأنه جعله له بشرط قدومه ، وقد وجد ، وإن قدم بعد موته ، فهو للأول في أحد الوجهين ، جزم به في الوجيز ، وهو ظاهر الفروع ، وصححه ابن المنجا ; لأنه لما مات قبل قدومه ، انتقل إلى الأول لعدم الشرط في الثاني وقدوم الثاني بعد ملك الأول له وانقطاع حق الموصى منه ، فبقي للأول ، وفي الآخر فهو للقادم ; لأنه مشروط له بقدومه ، وقد وجد أشبه ما لو قال : إن حملت نخلتي بعد موتي ، فهو لفلان ، فحملت بعد موته ، فإنه يستحق حملها بعد ملك الورثة لأصلها . فصل



                                                                                                                          الخدمات العلمية