الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتتركون في ما ها هنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون

                                                                                                                                                                                                [ ص: 408 ] "أتتركون" يجوز أن يكون إنكارا لأن يتركوا مخلدين في نعيمهم لا يزالون عنه ، وأن يكون تذكيرا بالنعمة في تخلية الله إياهم وما يتنعمون فيه من الجنات وغير ذلك ، مع الأمن والدعة في ما ها هنا في الذي استقر في هذا المكان من النعيم ، ثم فسره بقوله : في جنات وعيون وهذا أيضا إجمال ثم تفصيل . فإن قلت : لم قال "ونخل" بعد قوله : في جنات ، والجنة تتناول النخل أول شيء كما يتناول النعم الإبل كذلك من بين الأزواج ، حتى أنهم ليذكرون الجنة ولا يقصدون إلا النخيل ؛ كما يذكرون النعم ولا يريدون إلا الإبل ؛ قال زهير [من البسيط ] :


                                                                                                                                                                                                تسقي جنة سحقا



                                                                                                                                                                                                قلت : فيه وجهان : أن يخص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر ؛ تنبيها على انفراده عنها بفضله عليها ، وأن يريد بالجنات : غيرها من الشجر ؛ لأن اللفظ يصلح لذلك ، ثم يعطف عليها النخل . الطلعة : هي التي تطلع من النخلة . كنصل السيف في جوفه شماريخ القنو . والقنو : اسم للخارج من الجذع كما هو بعرجونه وشماريخه . والهضيم : اللطيف الضامر ، من قولهم : كشح هضيم ، وطلع إناث النخل فيه لطف ، وفي طلع الفحاحيل جفاء ، وكذلك طلع البرني ألطف من طلع اللون ، فذكرهم نعمة الله في أن وهب لهم أجود النخل وأنفعه : لأن الإناث ولادة التمر ، والبرني : أجود التمر وأطيبه ويجوز أن يريد أن نخيلهم أصابت جودة المنابت وسعة الماء . وسلمت من العاهات ، فحملت الحمل الكثير ، وإذا كثر الحمل هضم ، وإذا قل جاء فاخرا . وقيل : الهضيم : اللين النضيج ، كأنه قال : ونخل قد أرطب ثمره . قرأ الحسن : "وتنحتون " ، بفتح الحاء . وقرئ : "فرهين " ، و"فارهين " . والفراهة : الكيس والنشاط . ومنه : خيل فرهة ، استعير لامتثال الأمر ، وارتسامه طاعة الآمر المطاع . أو جعل الأمر مطاعا على المجاز الحكمي ، والمراد الآمر . ومنه قولهم : لك علي إمرة مطاعة . وقوله تعالى : وأطيعوا أمري . فإن قلت : ما فائدة قوله : ولا يصلحون ؟ قلت : فائدته أن فسادهم فساد مصمت ليس معه شيء من الصلاح ، كما تكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية