الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل : القسم الثالث " من أقسام الناس في الهدى الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم " :

الذين قبلوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وآمنوا به ظاهرا وجحدوه وكفروا به باطنا وهم المنافقون الذين ضرب لهم هذان المثلان بمستوقد النار وبالصيب وهم أيضا نوعان :

أحدهما : من أبصر ثم عمي ، وعلم ثم جهل ، وأقر ثم أنكر ، وآمن ثم كفر ، فهؤلاء رءوس [ ص: 75 ] أهل النفاق وساداتهم وأئمتهم ، ومثلهم مثل من استوقد نارا ثم حصل بعدها على الظلمة .

والنوع الثاني : ضعفاء البصائر الذين أعشى بصائرهم ضوء البرق فكاد أن يخطفها لضعفها وقوته ، وأصم آذانهم صوت الرعد فهم يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق ولا يقربون من سماع القرآن والإيمان ; بل يهربون منه ويكون حالهم حال من يسمع الرعد الشديد ، فمن شدة خوفه منه يجعل أصابعه في أذنيه ، وهذه حال كثير من خفافيش البصائر في كثير من نصوص الوحي إذا وردت عليه مخالفة لما تلقاه عن أسلافه وذوي مذهبه ، ومن يحسن به الظن ورآها مخالفة لما عنده عنهم هرب من النصوص وكره من يسمعه إياها ، ولو أمكنه لسد أذنيه عند سماعها ويقول : دعنا من هذه ولو قدر لعاقب من يتلوها ويحفظها وينشرها ويعلمها ، فإذا ظهر له منها ما يوافق ما عنده مشى فيها وانطلق فإذا جاءت بخلاف ما عنده أظلمت عليه فقام حائرا لا يدري أين يذهب ، ثم يعزم له التقليد وحسن الظن برؤسائه وسادته على اتباع ما قالوه دونها ، ويقول مسكين الحال : هم أخبر بها مني وأعرف ، فيالله العجب ! أوليس أهلها والذابون عنها والمنتصرون لها والمعظمون لها والمخالفون لأجلها آراء الرجال ، المقدمون لها على ما خالفها ، أعرف بها أيضا منك وممن اتبعته فلم كان من خالفها وعزلها عن اليقين وزعم أن الهدى والعلم لا يستفاد منها وأنها أدلة لفظية لا تفيد شيئا من اليقين ولا يجوز أن يحتج بها على مسألة واحدة من مسائل التوحيد والصفات ويسميها الظواهر النقلية ، ويسمي ما خالفها القواطع العقلية ، فلم كان هؤلاء أحق بها وأهلها وكان أنصارها والذابون عنها والحافظون لها هم أعداؤها ومحاربوها ؟ ! .

[ ص: 76 ] ولكن هذه سنة الله في أهل الباطل أنهم يعادون الحق وأهله وينسبونهم إلى معاداته ومحاربته ، كالرافضة الذين عادوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بل وأهل بيته ونسبوا أتباعه وأهل سنته إلى معاداة أهل بيته : ( وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون ) ، والمقصود أن هؤلاء المنافقين صنفان : أئمة وسادة يدعون إلى النار وقد مردوا على النفاق . وأتباع لهم بمنزلة الأنعام والبهائم ، فأولئك زنادقة مستبصرون ، وهؤلاء زنادقة مقلدون . فهؤلاء أصناف بني آدم في العلم والإيمان ولا يجاوز هذه السنة اللهم إلا من أظهر الكفر وأبطن الإيمان كحال المستضعف بين الكفار الذي تبين له الإسلام ولم يمكنه المهاجرة بخلاف قومه ولم يزل هذا الضرب في الناس على عهد رسول الله وبعده ، وهؤلاء عكس المنافقين من كل وجه .

( موجز لأقسام الناس في الهدي الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم )

وعلى هذا فالناس إما مؤمن ظاهرا وباطنا وإما كافرا ظاهرا وباطنا أو مؤمن ظاهرا كافر باطنا أو كافر ظاهرا مؤمن باطنا . والأقسام الأربعة قد اشتمل عليها الوجود ، وقد بين القرآن أحكامها ، فالأقسام الثلاثة الأول ظاهرة ، وقد اشتمل عليها أول سورة البقرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية