الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
( الرابع ) : أن الفواصل تنقسم إلى : ما تماثلت حروفه في المقاطع ، وهذا يكون في السجع ، وإلى ما تقاربت حروفه في المقاطع ولم تتماثل ، وهذا لا يكون سجعا ، ولا يخلو كل واحد من هذين القسمين ، أعني المتماثل والمتقارب من أن يكون يأتي طوعا سهلا تابعا للمعاني أو متكلفا يتبعه المعنى .

فالقسم الأول هو المحمود الدال على الثقافة وحسن البيان ، والثاني هو المذموم ، فأما القرآن فلم يرد فيه إلا القسم الأول لعلوه في الفصاحة ، وقد وردت فواصله متماثلة ومتقاربة .

مثال المتماثلة قوله تعالى : ( والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع ) ( الطور : 1 - 5 ) .

وقوله تعالى : ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا الرحمن على العرش استوى ) ( طه : 1 - 5 ) .

وقوله تعالى : ( والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا ) ( العاديات : 5 ) .

وقوله تعالى : ( والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسري ) ( الفجر : 1 - 4 ) إلى آخره ، وحذفت الياء من " يسر " طلبا للموافقة في الفواصل .

[ ص: 166 ] وقوله تعالى : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) ( القمر : 1 ) وجميع هذه السورة على الازدواج .

وقوله تعالى : ( فلا أقسم بالخنس الجواري الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) ( التكوير : 15 - 18 ) .

وقوله تعالى : ( فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا اتسق لتركبن طبقا عن طبق ) ( الانشقاق : 16 - 19 ) .

وقوله تعالى : ( فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر ) ( الضحى : 9 - 10 ) .

وقوله تعالى : ( أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ) ( الإسراء : 16 ) .

وقوله تعالى : ( ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون ) ( ن : 2 - 3 ) .

وقوله تعالى : ( فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون ) ( الأعراف : 201 - 202 ) .

وقوله تعالى : ( كلا إذا بلغت التراقي وقيل من راق ) الآية ( القيامة : 26 - 27 ) .

وقوله تعالى : ( لنخرجنك ياشعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا ) ( الأعراف : 88 ) .

ومثال المتقارب في الحروف قوله تعالى : ( الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ) ( الفاتحة : 3 - 4 ) .

وقوله تعالى : ( ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب ) ( ق : 1 - 2 ) .

[ ص: 167 ] وهذا لا يسمى سجعا قطعا عند القائلين بإطلاق السجع في القرآن ؛ لأن السجع ما تماثلت حروفه .

إذا علمت هذا فاعلم أن فواصل القرآن الكريم لا تخرج عن هذين القسمين ، بل تنحصر في المتماثلة والمتقاربة ، وبهذا يترجح مذهب الشافعي على مذهب أبي حنيفة في عد الفاتحة سبع آيات مع البسملة ; وذلك لأن الشافعي المثبت لها في القرآن قال : ( صراط الذين ) إلى آخر الآية واحدة ، وأبو حنيفة لما أسقط البسملة من الفاتحة قال : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) آية و ( غير المغضوب عليهم ) آية ، ومذهب الشافعي أولى ; لأن فاصلة قوله : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) لا تشابه فاصلة الآيات المتقدمة ، ورعاية التشابه في الفواصل لازم ، وقوله : ( أنعمت عليهم ) ليس من القسمين ، فامتنع جعله من المقاطع ، وقد اتفق الجميع على أن الفاتحة سبع آيات ، لكن الخلاف في كيفية العدد .

التالي السابق


الخدمات العلمية