الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين

                                                                                                                                                                                                                                        قوله عز وجل: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها يعني طاقتها، وفيه وجهان: أحدهما: وعد من الله ورسوله وللمؤمنين بالتفضل على عباده ألا يكلف نفسا إلا وسعها. والثاني: أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين عن الله، على وجه الثناء عليه، بأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها. ثم قال: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت يعني لها ما كسبت من الحسنات، وعليها ما اكتسبت يعني من المعاصي. وفي كسبت واكتسبت وجهان: أحدهما: أن لفظهما مختلف ومعناهما واحد. والثاني: أن كسبت مستعمل في الخير خاصة، واكتسبت مستعمل في الشر خاصة. [ ص: 364 ]

                                                                                                                                                                                                                                        ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا قال الحسن: معناه: قولوا ربنا لا تؤاخذنا. إن نسينا فيه تأويلان: أحدهما: يعني إن تناسينا أمرك. والثاني: تركنا، والنسيان: بمعنى الترك كقوله تعالى: نسوا الله فنسيهم [التوبة: 67] ، قاله قطرب. أو أخطأنا فيه تأويلان: أحدهما: ما تأولوه من المعاصي بالشبهات. والثاني: ما عمدوه من المعاصي التي هي خطأ تخالف الصواب. وقد فرق أهل اللسان بين " أخطأ " وخطئ، فقالوا: " أخطأ " يكون على جهة الإثم وغير الإثم، وخطئ: لا يكون إلا على جهة الإثم، ومنه قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                        والناس يلحون الأمير إذا هم خطئوا الصواب ولا يلام المرشد



                                                                                                                                                                                                                                        ربنا ولا تحمل علينا إصرا فيه أربعة تأويلات: أحدها: إصرا أي عهدا نعجز عن القيام به، قاله ابن عباس ، ومجاهد، وقتادة. الثاني: أي لا تمسخنا قردة وخنازير، وهذا قول عطاء. الثالث: أنه الذنب الذي ليس فيه توبة ولا كفارة، قاله ابن زيد . الرابع: الإصر: الثقل العظيم، قاله مالك، والربيع، قال النابغة:


                                                                                                                                                                                                                                        يا مانع الضيم أن يغشى سراتهم     والحامل الإصر عنهم بعدما عرضوا



                                                                                                                                                                                                                                        كما حملته على الذين من قبلنا يعني بني إسرائيل فيما حملوه من قتل أنفسهم. [ ص: 365 ]

                                                                                                                                                                                                                                        ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به فيه قولان: أحدهما: ما لا طاقة لنا به مما كلفه بنو إسرائيل. الثاني: ما لا طاقة لنا به من العذاب. واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فيه وجهان: أحدهما: مالكنا. الثاني: ولينا وناصرنا. فانصرنا على القوم الكافرين روى عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه فلما انتهى إلى قوله تعالى: غفرانك ربنا قال الله تعالى: قد غفرت لكم، فلما قرأ: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال الله تعالى: لا أؤخذكم. فلما قرأ: ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا قال الله تعالى: لا أحمل عليكم. فلما قرأ: ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به قال الله تعالى: لا أحملكم. فلما قرأ: واعف عنا قال الله تعالى: قد عفوت عنكم. فلما قرأ: واغفر لنا قال الله تعالى: قد غفرت لكم. فلما قرأ: وارحمنا قال الله تعالى: قد رحمتكم. فلما قرأ: فانصرنا على القوم الكافرين قال الله تعالى: قد نصرتكم. وروى مرثد بن عبد الله عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اقرؤوا هاتين الآيتين من خاتمة البقرة فإن الله تعالى أعطانيها من تحت العرش ". وروى أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السورة التي [ ص: 366 ]

                                                                                                                                                                                                                                        تذكر فيها البقرة فسطاط القرآن، فتعلموها فإن تعليمها بركة وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة قيل: ومن البطلة؟ قال: السحرة
                                                                                                                                                                                                                                        ". [ ص: 367 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية