الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فخسفنا به وبداره الأرض لما أمر قارون البغي [ ص: 245 ] بقذف موسى على ما سبق شرحه [القصص: 76] غضب موسى فدعا عليه ، فأوحى الله تعالى إليه : إني قد أمرت الأرض أن تطيعك فمرها ; فقال موسى : يا أرض خذيه ، فأخذته حتى غيبت سريره ، فلما رأى ذلك ناشده بالرحم ، فقال : خذيه ، فأخذته حتى غيبت قدميه ; فما زال يقول : خذيه ، حتى غيبته ، فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى ما أفظك ، وعزتي وجلالي لو استغاث بي لأغثته . قال ابن عباس : فخسفت به الأرض إلى الأرض السفلى . وقال سمرة بن جندب . إنه يخسف به كل يوم قامة ، فتبلغ به الأرض السفلى يوم القيامة . وقال مقاتل : فلما هلك قارون قال بنو إسرائيل : إنما أهلكه موسى ليأخذ ماله وداره ، فخسف الله بداره وماله بعده بثلاثة أيام .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ينصرونه من دون الله أي : يمنعونه من الله وما كان من المنتصرين أي : من الممتنعين مما نزل به . ثم أعلمنا أن المتمنين مكانه ندموا على ذلك التمني بالآية التي تلي هذه .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 246 ] وقوله : لخسف بنا الأكثرون على ضم الخاء وكسر السين . وقرأ يعقوب ، والوليد عن ابن عامر ، وحفص ، وأبان عن عاصم : بفتح الخاء والسين .

                                                                                                                                                                                                                                      فأما قوله : " ويك " فقال ابن عباس : معناه : ألم تر ، وكذلك قال أبو عبيدة ، والكسائي . وقال الفراء : " ويك أن " في كلام العرب تقرير ، كقول الرجل : أما ترى إلى صنع الله وإحسانه ، أنشدني بعضهم :


                                                                                                                                                                                                                                      ويك أن من يكن له نشب يح بب ومن يفتقر يعش عيش ضر



                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن الأنباري : في قوله " ويكأنه " ثلاثة أوجه .

                                                                                                                                                                                                                                      إن شئت قلت : " ويك " حرف ، و " أنه " حرف ; والمعنى : ألم تر أنه ، والدليل على هذا قول الشاعر :

                                                                                                                                                                                                                                      سألتاني الطلاق أن رأتاني     قل مالي قد جئتماني بنكر
                                                                                                                                                                                                                                      ويك أن من يكن له نشب يح     بب ومن يفتقر يعش عيش ضر



                                                                                                                                                                                                                                      والثاني : أن يكون " ويك " حرفا ، و " أنه " حرفا . والمعنى : ويلك أعلم أنه ، فحذفت اللام ، كما قالوا : قم لا أبا لك ، يريدون : لا أبا لك ، وأنشدوا :


                                                                                                                                                                                                                                      أبالموت الذي لا بد أني     ملاق لا أباك تخوفيني



                                                                                                                                                                                                                                      أراد لا أبا لك فحذف اللام .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 247 ] والثالث : أن يكون " وي " حرفا ، و " كأنه " حرفا ، فيكون معنى " وي " التعجب ، كما تقول : وي لم فعلت كذا كذا ، ويكون معنى " كأنه " : أظنه وأعلمه ، كما تقول في الكلام : كأنك بالفرج قد أقبل ; فمعناه : أظن الفرج مقبلا . وإنما وصلوا الياء بالكاف في قوله : ويكأنه لأن الكلام بهما كثر ، كما جعلوا " يا ابن أم " في المصحف حرفا واحدا ، وهما حرفان [طه : 94] . وكان جماعة منهم يعقوب ، يقفون على " ويك " في الحرفين ، ويبتدؤون " أن " و " أنه " في الموضعين . وذكر الزجاج عن الخليل أنه قال : " وي " مفصولة من " كأن " ، وذلك أن القوم تندموا فقالوا : " وي " متندمين على ما سلف منهم ، وكل من ندم فأظهر ندامته قال : وي . وحكى ابن قتيبة عن بعض العلماء أنه قال : معنى " ويكأن " : رحمة لك ، بلغة حمير .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: لولا أن من الله علينا أي : بالرحمة والمعافاة والإيمان لخسف بنا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية