قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=28998_33679وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون .
قد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمنها أن يقول بعض العلماء في الآية قولا ، ويكون في الآية قرينة تدل على بطلان ذلك القول ، وذكرنا في ترجمته أيضا أن من أنواع البيان التي تضمنها الاستدلال على المعنى ، بكونه هو الغالب في القرآن ; لأن غلبته فيه ، تدل على عدم خروجه من معنى الآية ، ومثلنا لجميع ذلك أمثلة متعددة في هذا الكتاب المبارك ، والأمران المذكوران من أنواع البيان قد اشتملت عليهما معا آية " النمل " هذه .
وإيضاح ذلك أن بعض الناس قد زعم أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ، يدل على أن الجبال الآن في دار الدنيا يحسبها رائيها جامدة ، أي : واقفة ساكنة غير متحركة ، وهي تمر مر السحاب ، ونحوه قول
النابغة يصف جيشا :
بأرعن مثل الطود تحسب أنهم وقوف لحاج والركاب تهملج
والنوعان المذكوران من أنواع البيان ، يبينان عدم صحة هذا القول .
[ ص: 145 ] أما الأول منهما : وهو وجود القرينة الدالة على عدم صحته ، فهو أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88وترى الجبال معطوف على قوله : ففزع ، وذلك المعطوف عليه مرتب بالفاء على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=87ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات الآية [ 27 \ 87 ] ، أي : ويوم ينفخ في الصور ، فيفزع من في السماوات وترى الجبال ، فدلت هذه القرينة القرآنية الواضحة على أن مر الجبال مر السحاب كائن يوم ينفخ في الصور ، لا الآن .
وأما الثاني : وهو كون هذا المعنى هو الغالب في القرآن فواضح ; لأن جميع الآيات التي فيها حركة الجبال كلها في يوم القيامة ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=9يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا [ 52 \ 10 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة [ 18 \ 47 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=20وسيرت الجبال فكانت سرابا [ 78 \ 20 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=3وإذا الجبال سيرت [ 81 \ 3 ] .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=28998_33679صنع الله الذي أتقن كل شيء ، جاء نحوه في آيات كثيرة ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14فتبارك الله أحسن الخالقين [ 23 \ 14 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت [ 67 \ 3 ] ، وتسيير الجبال وإيجادها ونصبها قبل تسييرها ، كل ذلك صنع متقن .
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88إنه خبير بما تفعلون قد قدمنا الآيات التي بمعناه في أول سورة "
هود " ، في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ، إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5إنه عليم بذات الصدور [ 11 \ 5 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=28998_33679وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ .
قَدْ قَدَّمْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا أَنْ يَقُولَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي الْآيَةِ قَوْلًا ، وَيَكُونَ فِي الْآيَةِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ الْقَوْلِ ، وَذَكَرْنَا فِي تَرْجَمَتِهِ أَيْضًا أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْمَعْنَى ، بِكَوْنِهِ هُوَ الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ ; لِأَنَّ غَلَبَتَهُ فِيهِ ، تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ خُرُوجِهِ مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ ، وَمَثَّلْنَا لِجَمِيعِ ذَلِكَ أَمْثِلَةً مُتَعَدِّدَةً فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ ، وَالْأَمْرَانِ الْمَذْكُورَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِمَا مَعًا آيَةُ " النَّمْلِ " هَذِهِ .
وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ زَعَمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجِبَالَ الْآنَ فِي دَارِ الدُّنْيَا يَحْسَبُهَا رَائِيهَا جَامِدَةً ، أَيْ : وَاقِفَةً سَاكِنَةً غَيْرَ مُتَحَرِّكَةٍ ، وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ، وَنَحْوُهُ قَوْلُ
النَّابِغَةِ يَصِفُ جَيْشًا :
بِأَرْعَنَ مِثْلِ الطَّوْدِ تَحْسَبُ أَنَّهُمْ وُقُوفٌ لِحَاجٍّ وَالرِّكَابُ تُهَمْلِجُ
وَالنَّوْعَانِ الْمَذْكُورَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ ، يُبَيِّنَانِ عَدَمَ صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ .
[ ص: 145 ] أَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا : وَهُوَ وُجُودُ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ ، فَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88وَتَرَى الْجِبَالَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ : فَفَزِعَ ، وَذَلِكَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مُرَتَّبٌ بِالْفَاءِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=87وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ الْآيَةَ [ 27 \ 87 ] ، أَيْ : وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ، فَيَفْزَعُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَتَرَى الْجِبَالَ ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْقَرِينَةُ الْقُرْآنِيَّةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى أَنَّ مَرَّ الْجِبَالِ مَرَّ السَّحَابِ كَائِنٌ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ، لَا الْآنَ .
وَأَمَّا الثَّانِي : وَهُوَ كَوْنُ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْغَالِبُ فِي الْقُرْآنِ فَوَاضِحٌ ; لِأَنَّ جَمِيعَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا حَرَكَةُ الْجِبَالِ كُلُّهَا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=9يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا [ 52 \ 10 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=47وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً [ 18 \ 47 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=20وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا [ 78 \ 20 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=3وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ [ 81 \ 3 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88nindex.php?page=treesubj&link=28998_33679صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ، جَاءَ نَحْوُهُ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [ 23 \ 14 ] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=3مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ [ 67 \ 3 ] ، وَتَسْيِيرُ الْجِبَالِ وَإِيجَادُهَا وَنَصْبُهَا قَبْلَ تَسْيِيرِهَا ، كُلُّ ذَلِكَ صُنْعٌ مُتْقَنٌ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=88إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الَّتِي بِمَعْنَاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ "
هُودٍ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ ، إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=5إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [ 11 \ 5 ] .