الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 253 ] سورة العنكبوت

                                                                                                                                                                                                                                      فصل في نزولها

                                                                                                                                                                                                                                      روى العوفي عن ابن عباس أنها مكية، وبه قال الحسن، وقتادة، وعطاء، وجابر بن زيد، ومقاتل . وفي رواية عن ابن عباس أنها مدنية . وقال هبة الله [ابن سلامة] المفسر: نزل من أولها إلى رأس العشر بمكة، وباقيها بالمدينة . وقال غيره عكس هذا: نزل العشر بالمدينة، وباقيها بمكة .

                                                                                                                                                                                                                                      بسم الله الرحمن الرحيم

                                                                                                                                                                                                                                      الم . أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: الم أحسب الناس أن يتركوا في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 254 ] أحدها: أنه لما أمر بالهجرة، كتب المسلمون إلى إخوانهم بمكة أنه لا يقبل منكم إسلامكم حتى تهاجروا، فخرجوا نحو المدينة فأدركهم المشركون فردوهم، فأنزل الله عز وجل من أول هذه السورة عشر آيات، فكتبوا إليهم يخبرونهم بما نزل فيهم، فقالوا: نخرج، فإن اتبعنا أحد قاتلناه، فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل، ومنهم من نجا، فأنزل الله عز وجل فيهم: ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا [النحل: 110]، هذا قول الحسن، والشعبي .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذب في الله عز وجل، قاله عبد الله بن عبيد بن عمير .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنها نزلت في مهجع مولى عمر بن الخطاب حين قتل ببدر، فجزع عليه أبواه وامرأته، فأنزل الله تعالى في أبويه وامرأته هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أحسب الناس قال ابن عباس: يريد بالناس: الذين آمنوا بمكة، كعياش بن أبي ربيعة، وعمار بن ياسر، وسلمة بن هشام، وغيرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزجاج: لفظ الآية استخبار، ومعناه معنى التقرير والتوبيخ; والمعنى: أحسب الناس أن يتركوا بأن يقولوا: آمنا، ولأن يقولوا: آمنا، أي: أحسبوا أن يقنع منهم بأن يقولوا: إنا مؤمنون، فقط، ولا يمتحنون بما يبين [ ص: 255 ] حقيقة إيمانهم، وهم لا يفتنون أي: لا يختبرون بما يعلم به صدق إيمانهم من كذبه .

                                                                                                                                                                                                                                      وللمفسرين فيه قولان . أحدهما: لا يفتنون في أنفسهم بالقتل والتعذيب، قاله مجاهد . والثاني: لا يبتلون بالأوامر والنواهي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولقد فتنا الذين من قبلهم أي: ابتليناهم واختبرناهم، فليعلمن الله فيه ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: فليرين الله الذين صدقوا في إيمانهم عند البلاء إذا صبروا لقضائه وليرين الكاذبين في إيمانهم إذا شكوا عند البلاء، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: فليميزن، لأنه [قد] علم ذلك من قبل، قاله أبو عبيدة .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : فليظهرن ذلك حتى يوجد معلوما، حكاه الثعلبي .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ علي بن أبي طالب، وجعفر بن محمد: " فليعلمن الله " " وليعلمن الكاذبين " " وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين " [العنكبوت: 11] بضم الياء وكسر اللام .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: أم حسب أي: أيحسب الذين يعملون السيئات [ ص: 256 ] يعني الشرك أن يسبقونا أي: يفوتونا ويعجزونا ساء ما يحكمون أي: بئس ما حكموا لأنفسهم حين ظنوا ذلك . قال ابن عباس: عنى بهم الوليد بن المغيرة، وأبا جهل، والعاص بن هشام، وغيرهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية