الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : من جاء بالحسنة فله خير منها . اعلم : أن الحسنة في هذه الآية الكريمة تشمل نوعين من الحسنات :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : حسنة هي فعل خير من أفعال العبد ، كالإنفاق في سبيل الله ، وبذل النفس والمال في إعلاء كلمة الله ، ونحو ذلك ، ومعنى قوله تعالى : فله خير منها ، بالنسبة إلى هذا النوع من الحسنات ، أن الثواب مضاعف ، فهو خير من نفس العمل ; لأن من أنفق درهما واحدا في سبيل الله فأعطاه الله ثوابا هو سبعمائة درهم فله عند الله ثواب هو سبعمائة درهم مثلا ، خير من الحسنة التي قدمها التي هي إنفاق درهم واحد ، وهذا لا إشكال فيه كما ترى .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 146 ] وهذا المعنى توضحه آيات من كتاب الله ; كقوله تعالى : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [ 6 \ 160 ] ، ومعلوم أن عشر أمثال الحسنة خير منها هي وحدها ; وكقوله تعالى : وإن تك حسنة يضاعفها [ 4 \ 40 ] ، وقوله تعالى : مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء [ 2 \ 261 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وأما النوع الثاني من الحسنة : فكقول من قال من أهل العلم : إن المراد بالحسنة في هذه الآية : لا إله إلا الله ، ولا يوجد شيء خير من لا إله إلا الله ، بل هي أساس الخير كله ، والذي يظهر على هذا المعنى أن لفظة خير ليست صيغة تفضيل .

                                                                                                                                                                                                                                      وأن المعنى : فله خير عظيم عند الله حاصل له منها ، أي : من قبلها ومن أجلها ، وعليه فلفظة من في الآية ; كقوله تعالى : مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا [ 71 \ 25 ] ، أي : من أجل خطيئاتهم أغرقوا ، فأدخلوا نارا . وأما على الأول فخير صيغة تفضيل ، ويحتمل عندي أن لفظة خير على الوجه الثاني صيغة تفضيل أيضا ، ولا يراد بها تفضيل شيء على لا إله إلا الله ، بل المراد أن كلمة لا إله إلا الله تعبد بها العبد في دار الدنيا ، وتعبده بها فعله المحض ، وقد أثابه الله في الآخرة على تعبده بها ، وإثابة الله فعله جل وعلا ، ولا شك أن فعل الله خير من فعل عبده ، والعلم عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية