الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الثالث عن شبهة ابن سينا أن يقال: قوله: ليس يجوز أن يعقل الأشياء من الأشياء، وإلا فذاته إما متقومة بما تعقل، فيكون متقوما بالأشياء، وإما عارضا لها أن تفعل، فلا تكون واجبة الوجود من كل وجه.

يقال له: قولك: يعقل الأشياء من الأشياء أتريد به أن الأشياء تجعله عاقلا، فتعلمه العلم بها؟ أم تريد أن علمه بالأشياء لا يكون إلا مع تحقق المعلوم؟ أم تعني به أن علمه بالأشياء يكون بعد وجود المعلوم؟

أما الأول فلا يقوله مسلم، بل المسلمون متفقون على أن الله مستغن عما سواه في علمه بالأشياء في غير ذلك، بل هو المعلم لكل من علم سواه من علمه.

وقد قال تعالى: ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء [البقرة: 255]. [ ص: 16 ]

وقال: علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم [العلق: 4-5].

وقال: أعطى كل شيء خلقه ثم هدى [طه: 50].

وقال: الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى [الأعلى: 2-3].

وقال: الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان [الرحمن: 1-4].

وقال: وعلمك ما لم تكن تعلم [النساء: 113].

وقال: وعلمناه من لدنا علما [الكهف: 65].

وقال: ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب [البقرة: 282].

وقال: وعلم آدم الأسماء كلها إلى قول الملائكة: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم [البقرة: 31-32].

وقال: تعلمونهن مما علمكم الله [المائدة: 4].

وإن أراد بعقله الأشياء من الأشياء: أنه لا يكون عالما إلا مع تحقق معلوم بعلم، فهذا حق.

لكن لا يمكن ثبوت علم إلا كذلك، وإلا فإذا قدر علم لا يطابق معلومه كان جهلا لا علما وحينئذ يعود الأمر إلى سؤال الاستكمال، وقد تقدم. [ ص: 17 ]

وإن أراد بذلك أنه يعلم الأشياء بعد وجودها، فلا ريب أنه يعلم ما يكون قبل أن يكون، ثم إذا كان: فهل يتجدد له علم آخر؟ أم علمه به معدوما هو علمه به موجودا؟ هذا فيه نزاع بين النظار، وأي القولين كان صحيحا حصل به الجواب.

وإذا قال قائل: القول الأول هو الذي يدل عليه صريح المعقول، والثاني باطل، والإشكال يلزم على الأول.

قيل له: وإذا كان هو الذي يدل عليه صريح المعقول، فهو الذي يدل عليه صحيح المنقول، وعليه دل القرآن في أكثر من عشرة مواضع، وهو الذي جاءت به الآثار عن السلف. وما أورد عليه من الإشكال، فهو باطل كما قد بين في موضعه.

التالي السابق


الخدمات العلمية