الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 264 ] حديث موفي عشرين من البلاغات

مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت إذا ذكرت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم ، تقول : وأيكم أملك لإربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟

التالي السابق


وهذا الحديث يتصل ويستند عن عائشة من وجوه صحاح ، والحمد لله ، فنذكر منها ما حضرنا مما فيه كفاية - إن شاء الله - .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يحيى ، عن عبيد الله بن عمر قال : سمعت القاسم بن محمد يحدث عن عائشة ، قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلني وهو في رمضان صائم ، قال : ثم تقول عائشة : وأيكم كان أملك لإربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وحدثنا عبد الوارث ، وسعيد بن نصر قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن عبيد الله بن عمر ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبلني وهو صائم ، وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا حمزة بن محمد بن علي قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا الربيع بن سليمان قال : [ ص: 265 ] حدثنا ابن وهب قال : أخبرني أسامة بن زيد أن ابن شهاب حدثه ، عن عروة ، عن عائشة أخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل ، وهو صائم ، قالت عائشة : وأيكم كان أملك لإربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟

قال أبو عمر :

رواه ابن أبي ذئب ، ومعمر ، وعقيل ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن عائشة .

وقد رواه هشام الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن عروة ، عن عائشة ، فدل على أن الحديث لعروة ، عن عائشة كما هو للقاسم عن عائشة ، ولعلقمة عن عائشة ، وللأسود ، عن عائشة .

وقد رواه هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، رواه مالك ، وغيره عن هشام ، وقد ذكرناه في هشام بن عروة ( من ) هذا الكتاب ، والحمد لله .

أخبرنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال : خرجنا حجاجا ، فتذاكر القوم الصائم يقبل ، فلما قدمنا المدينة ، دخلنا على عائشة ، فقالوا لي : يا أبا شبل سلها ، فقلت : لا أرفث عندها سائر اليوم ، فسمعت مقالتهم ، فقالت : ما كنتم تقولون ؟ إنما أنا أمكم ، قالوا : يا أم المومنين الصائم يقبل ؟ فقالت عائشة : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل ، ويباشر ، وهو صائم ، وكان أملككم لإربه .

[ ص: 266 ] وأخبرنا عبد الرحمن بن مروان قال : حدثنا الحسن بن يحيى القاضي قال : حدثنا عبد الله بن علي بن الجارود قال : حدثنا محمد بن آدم قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل ويباشر ، وهو صائم ، وكان أملككم لإربه .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن بكر بن داسة قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، وعلقمة ، عن عائشة قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم ، ويباشر وهو صائم ، ولكنه أملك لإربه .

قال أبو عمر :

قولها أملك لإربه يعني أملك لنفسه ولشهوته ، وقد اختلف العلماء في كراهية القبلة للصائم على حسب ما قدمنا ذكره مبسوطا في باب زيد بن أسلم من هذا الكتاب ، فلا وجه لإعادته هاهنا .

وقد احتج بعض من كره القبلة للصائم بقول عائشة هذا : وأيكم أملك لإربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفتوى عائشة بجواز القبلة ( للصائم ) دليل على أن ذلك مباح لكل من أمن على نفسه إفساد صومه .

ذكر مالك ، عن أبي النضر ، عن عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة ، فدخل عليها زوجها هنالك ، وهو عبد الله بن عبد الرحمن [ ص: 267 ] بن أبي بكر الصديق ، وهو صائم ، فقالت له عائشة : ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها ، فقال : أقبلها وأنا صائم ؟ قالت : نعم ، وهي التي روت الحديث ، وعلمت مخرجه ، ومن خاف على أمة محمد ما لم يخفه عليها نبيها ، فقد جاء من التعسف بما لا يخفى ، ولما كان التأسي به مندوبا إليه استحال أن يأتي منه ما يكون خصوصا ، أو يسكت عليه ، وقد مضى من هذا الباب ، والمعنى ما فيه شفاء في باب زيد بن أسلم عن عطاء ، والحمد لله .

وأما حديث مالك أنه بلغه أن عائشة - رضي الله عنها - كانت تقول : كسر عظم المسلم ميتا ككسره حيا ، تعني في الإثم ، فقد مضى ذكره في باب أبي الرجال من هذا الكتاب ، وذكرنا هناك من أسنده ، ورفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وذلك عند حديثه في المختفي النباش ، وصلى الله على محمد .




الخدمات العلمية