الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 268 ] حديث حاد وعشرون من البلاغات

مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ما من نبي يموت حتى يخير ، قالت : فسمعته يقول : اللهم الرفيق الأعلى فعرفت أنه ذاهب .

التالي السابق


قال أبو عمر :

قد روي ، عن هشام بن عروة ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن عائشة أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت ، وهو مستند إلى صدرها ، وأصغت إليه يقول : اللهم اغفر لي ، وارحمني ، وألحقني بالرفيق .

وهذا يكاد أن يكون ذلك المرسل إلا ذكر التخيير ، وقد روي هذا الحديث مسندا من وجه صحيح من حديث أهل المدينة ذكر التخيير ، والحديث كله .

حدثنا أحمد بن فتح بن عبد الله قراءة مني عليه أن أبا الفضل جعفر بن محمد بن يزيد الجوهري حدثه إملاء عليهم بمصر سنة سبع وخمسين وثلاثمائة ، قال : حدثنا محمد بن عبدان بن عبد الغفار بمكة ، قال : حدثنا أبو مروان - يعني محمد بن عثمان - قال : حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : سمعت [ ص: 269 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما من نبي مرض إلا خير بين الدنيا ، والآخرة .

قالت : ولما كان في مرضه الذي قبض فيه ، أخذته بحة شديدة ، فسمعته يقول : مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا فعلمت أنه خير .

وحدثنا سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا إبراهيم بن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر مثله سواء ، هذا تفسير قوله : وألحقني بالرفيق ، وقوله : اللهم الرفيق الأعلى .

وقد روي من وجوه أن الله - عز وجل - خيره بين الدنيا والآخرة ، فاختار الآخرة من حديث مالك وغيره ، وخير بين أن يؤتى مفاتيح خزائن الأرض ، أو ما عند الله ، فاختار ما عند الله ، والآثار في ذلك كثيرة صحاح ، وإنما ذكرنا في هذا الباب حديث عائشة فقط على حسب بلاغ مالك عنها ، وقد روى مالك في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خيره الله بين الدنيا والآخرة ، فاختار ما عنده خبرا متصلا ثابتا من غير حديث عائشة .

أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا الحسن بن الخضر قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا عبد الملك بن عبد الحميد قال : حدثنا القعنبي ، وأخبرنا عبد الله بن محمد بن أسد قال : حدثنا أحمد بن محمد المكي قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا القعنبي ، [ ص: 270 ] قال : قرأت على مالك بن أبي النضر ، عن عبيد بن حنين ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس على المنبر فقال : إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ، وبين ما عنده ، فاختار ما عنده ، فبكى أبو بكر ، وقال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا يا رسول الله ، قال : فعجبنا له ، وقلنا : انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عبد خير ، وهو يقول : فديناك بآبائنا وأمهاتنا فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا به .




الخدمات العلمية