الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 130 ] وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : في سبب النزول وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : المراد به من تقدم ذكره من المنافقين ، يعني لو أنهم عندما ظلموا أنفسهم بالتحاكم إلى الطاغوت والفرار من التحاكم إلى الرسول جاءوا الرسول وأظهروا الندم على ما فعلوه وتابوا عنه واستغفروا منه واستغفر لهم الرسول بأن يسأل الله أن يغفرها لهم عند توبتهم لوجدوا الله توابا رحيما .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : قال أبو بكر الأصم : أن قوما من المنافقين اصطلحوا على كيد في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم دخلوا عليه لأجل ذلك الغرض فأتاه جبريل عليه السلام فأخبره به ، فقال صلى الله عليه وسلم : إن قوما دخلوا يريدون أمرا لا ينالونه ، فليقوموا وليستغفروا الله حتى أستغفر لهم فلم يقوموا ، فقال : ألا تقومون ، فلم يفعلوا فقال صلى الله عليه وسلم : قم يا فلان قم يا فلان حتى عد اثني عشر رجلا منهم ، فقاموا وقالوا : كنا عزمنا على ما قلت ، ونحن نتوب إلى الله من ظلمنا أنفسنا فاستغفر لنا ، فقال : الآن اخرجوا أنا كنت في بدء الأمر أقرب إلى الاستغفار : وكان الله أقرب إلى الإجابة اخرجوا عني .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : لقائل أن يقول : أليس لو استغفروا الله وتابوا على وجه صحيح لكانت توبتهم مقبولة ، فما الفائدة في ضم استغفار الرسول إلى استغفارهم ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : الجواب عنه من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن ذلك التحاكم إلى الطاغوت كان مخالفة لحكم الله ، وكان أيضا إساءة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وإدخالا للغم في قلبه ، ومن كان ذنبه كذلك وجب عليه الاعتذار عن ذلك الذنب لغيره ، فلهذا المعنى وجب عليهم أن يطلبوا من الرسول أن يستغفر لهم .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن القوم لما لم يرضوا بحكم الرسول ظهر منهم ذلك التمرد ، فإذا تابوا وجب عليهم أن يفعلوا ما يزيل عنهم ذلك التمرد ، وما ذاك إلا بأن يذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ويطلبوا منه الاستغفار .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : لعلهم إذا أتوا بالتوبة أتوا بها على وجه الخلل ، فإذا انضم إليها استغفار الرسول صارت مستحقة للقبول والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : إنما قال : ( واستغفر لهم الرسول ) ولم يقل واستغفرت لهم إجلالا للرسول عليه الصلاة والسلام ، وأنهم إذا جاءوه فقد جاءوا من خصه الله برسالته وأكرمه بوحيه وجعله سفيرا بينه وبين خلقه ، ومن كان كذلك فإن الله لا يرد شفاعته ، فكانت الفائدة في العدول عن لفظ الخطاب إلى لفظ المغايبة ما ذكرناه .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : الآية دالة على الجزم بأن الله تعالى يقبل توبة التائب ، لأنه تعالى لما ذكر عنهم الاستغفار قال بعده : ( لوجدوا الله توابا رحيما ) وهذا الجواب إنما ينطلق على ذلك الكلام إذا كان المراد من قوله : ( توابا رحيما ) هو أن يقبل توبتهم ويرحم تضرعهم ولا يرد استغفارهم .

                                                                                                                                                                                                                                            ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ) .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية