الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 388 ] فصل 1767 - مسألة : قال nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : قد ذكرنا في " كتاب الزكاة " من كتابنا هذا ، وفي " كتاب الحج " منه ، وفي " كتاب التفليس " منه أن كل من nindex.php?page=treesubj&link=23280مات وقد فرط : في زكاة ، أو في حج الإسلام ، أو عمرته ، أو في نذر ، أو في كفارة ظهار ، أو قتل ، أو يمين ، أو تعمد وطء في نهار رمضان ، أو بعض لوازم الحج أو لم يفرط ، فإن كل ذلك من رأس ماله لا شيء للغرماء حتى يقضي ديون الله تعالى كلها ، ثم إن فضل شيء فللغرماء ، ثم الوصية ، ثم الميراث ، كما أمر الله عز وجل ، وذكرنا الحجة في ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=51110اقضوا الله فهو أحق بالوفاء فدين الله أحق أن يقضى } .
وذكرنا هنالك قول الحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس بأصح طريق عنهما : أن حجة الإسلام ، وزكاة المال هما بمنزلة الدين .
وقول الزهري : إن الزكاة تؤخذ من رأس مال الميت وكل شيء واجب فهو من جميع المال - وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=15858وأبي سليمان ، وغيرهم .
وقول nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : إن الحج والنذر يقضيان عن الميت .
وقول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بإيجاب الحج عمن لم يحج من الموتى .
وكذلك قول nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس ، والحسن البصري ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، وأن ذلك من رأس المال وإن لم يوص بذلك - وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب ، nindex.php?page=showalam&ids=16330وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، والأوزاعي ، nindex.php?page=showalam&ids=14117والحسن بن حي ، ومحمد بن أبي ليلى ، nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وإسحاق ، nindex.php?page=showalam&ids=15858وأبي سليمان ، وأصحابهم .
إلا أن nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي مرة قال : تتحاص ديون الله تعالى وديون الناس ، ومرة قال كما قلنا ، وما نعلم أحدا قال بأن لا تخرج الزكاة إلا من الثلث إن أوصى بها من التابعين ، إلا nindex.php?page=showalam&ids=15885ربيعة .
وبقي أن نذكر أقوال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك في هذه المسألة - : قال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : إن nindex.php?page=treesubj&link=24235أوصى المسلم بوصايا : منها زكاة واجبة ، وحجة الإسلام أنه يبدأ في الثلث بهذه الفروض - سواء ذكرها أولا أو آخرا - وتتحاص الفروض المذكورة ، ثم كما ذكرنا من أقواله في الوصايا . [ ص: 389 ] وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : يبدأ بالزكاة ، ثم بحجة الإسلام ، ومرة قال كقول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، قال : ثم بعد الزكاة والحجة المفروضة ما أوصى به من عتق في كفارة يمين ، وكفارة جزاء صيد ، وفدية الأذى : يبدأ بما بدأ به بذكره من ذلك في وصيته ، ثم التطوع .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن : يبدأ من حجة الإسلام ومن الزكاة بما بدأ الموصي بذكره في وصيته .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : يبدأ بالعتق البت في المرض ، والتدبير في الصحة ، ثم بعدهما الزكاة المفروضة التي فرط فيها ، ثم عتق عبد بعينه أوصى بعتقه ، وعتق عبد بعينه أوصى بأن يشترى فيعتق ، ثم الكتابة إذا أوصى بأن يكاتب عبده ، ثم الحج ، ثم إقراره بالدين لمن لا يجوز له إقراره به .
قال : ويبدأ بالزكاة التي أوصى بها على ما أوصى به من عتق رقبة عن ظهار ، أو قتل خطإ ، أو يتحاص رقبة الظهار مع رقبة قتل الخطإ ، ثم ما أوصى به من كفارة الأيمان - قال : ويبدأ بالإطعام عما أوصى به مما فرط فيه من قضاء رمضان على النذر .
قال nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : في هذه الأقوال عبرة لمن اعتبر ، وآية لمن تدبر - : أما قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة فهو أطردها لخطئه ، وأقلها تناقضا ، لكن يقال له : إن كانت الزكاة المفروضة ، وحجة الإسلام ، وسائر الفروض ، إذا فرط فيها وتبرأ من ذلك عند موته - : يجري كل ذلك مجرى الوصايا ، فلأي شيء قدمتها على سائر الوصايا ، فإن قال : لأنها أوكد ، قيل له : ومن أين صارت أوكد عندك وأنت قد أخرجتها عن حكم الفرض الذي لا يحل إضاعته إلى حكم الوصايا - فبطل التأكيد على قولك الفاسد ، ووجب أن يكون كسائر الوصايا ولا فرق ، ويكون كل ذلك خارجا عن حكم الوصايا ، وباقيا على حكم الفرض الذي لا يسع تعطيله ، فلم جعلتها من الثلث إن أوصى بها أيضا ؟ وما هذا الخبط والتخليط بالباطل في دين الله عز وجل .
وأما قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف : فآبدة في تقديمه الزكاة على الحج ؟ فإن قال : الزكاة حق في المال ، والحج على البدن ؟ قيل : فلم أدخلته في الوصايا إذا ؟ وهلا منعت من الوصية به كما منع من ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب السختياني ، والقاسم بن محمد ، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي - وروي أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر . [ ص: 390 ] فإن قيل : للنص الوارد في ذلك ؟ قيل : فذلك النص يوجب أنه من رأس المال - وهو خلاف قولك الفاسد - وهذا نفسه يدخل على nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن في تقديمه ذلك على سائر الوصايا ؟ وأما قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : فأفحشها تناقضا ، وأوحشها وأشدها فسادا ; لأنه قدم بعض الفرائض على بعض بلا برهان ، فقدم بعض التطوع على بعض الفرائض بلا برهان ، وصار كله لا متعلق له بشيء من وجوه الأدلة أصلا ، مع أنه قول لا يعرف عن أحد من خلق الله تعالى قبله ؟ نعني : ذلك الترتيب الذي رتب - وأطرف شيء قوله " إقراره لمن لا يجوز له إقراره " فكيف يجوز ما هو مقر أنه لا يجوز ؟ إن هذا لعجب عجيب ؟ قال nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : فإن قال قائل : لو كان قولكم لما شاء أحد أن يحرم ورثته ماله إلا قدر على ذلك ، بأن يضع فروضه ، ثم يوصي بها عند موته ؟ قلنا له : إن تعمد ذلك فعليه إثمه ، ولا تسقط عنه معصيته حقوق الله تعالى ; إذ لم يأمر الله تعالى بإسقاط حقوقه من أجل ما ذكرتم .
ثم نقول لهم : هلا احتججتم على أنفسكم بهذا الاحتجاج نفسه إذ قلتم : إن ديون الناس من رأس المال ؟ فنقول لكم : لو كان هذا لما شاء أحد أن يحرم ورثته إلا أقر في صحته لمن شاء بما يستوعب ماله ، ثم يظهر ذلك بعد موته ولا فرق .
ويقال لكم أيضا : لو كان قولكم لما شاء أحد أن يبطل حقوق الله تعالى وحقوق أهل الصدقات ؟ ويهني ذلك ورثته إلا قدر على ذلك ؟ ثم إن اعتراضهم بذلك المذكور في غاية الفساد ; لأنه إبطال لأوامر الله تعالى وفرائضه ، فإن ذكروا ما روينا من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { nindex.php?page=hadith&LINKID=51111لا أعرفن امرأ بخل بحق الله حتى إذا حضره الموت أخذ يدغدغ ماله هاهنا وها هنا } ؟ قلنا : هذا حديث باطل ; لأنه لم يسند قط ، ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة ; لأنه ليس فيه سقوط حقوق الله تعالى من أجل بخله به إلى أن يموت ؟ إنما فيه إنكار ذلك على [ ص: 391 ] من فعله فقط ، ونعم ، فهو منكر بلا شك ، وحقوق الله تعالى نافذة في ماله ولا بد - وبالله تعالى التوفيق .