الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
[ ص: 273 ] حديث ثالث وعشرون من البلاغات

مالك أنه بلغه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا عاد الرجل المريض خاض الرحمة حتى إذا قعد عنده ، قرت فيه ، أو نحو هذا .

التالي السابق


وهذا حديث محفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث جابر كما قال مالك ، ولا يحفظ أيضا من حديث أنس ، ومن حديث عمرو بن حزم ، وغيرهم ، وحديث عمرو بن حزم كحديث جابر سواء ، ونذكر هاهنا حديث جابر خاصة ، وهو حديث مدني صحيح .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي قال : حدثنا بكر بن بكار ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال : حدثتني أمي مندوس بنت علي ، قالت : مرض عمر بن الحكم فعاده أهل المسجد ، فقال عمر بن الحكم سمعت جابر بن عبد الله يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من عاد مريضا خاض الرحمة ، فإذا جلس عنده استنقع فيها ، فإذا خرج من عنده خاض الرحمة حتى يرجع إلى بيته .

وهذا الحديث رواه الواقدي قال : حدثنا عبد الحميد بن جعفر سمع عمر بن الحكم قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول [ ص: 274 ] الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من عاد مريضا خاض الرحمة ، حتى إذا قعد استقر فيها .

حدثناه أحمد بن قاسم قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال : حدثنا محمد بن عمر الواقدي فذكره ، وهو خطأ من الواقدي ، ولم يسمعه عبد الحميد من عمر بن الحكم ، وإنما رواه عن أمه عنه - والله أعلم - والواقدي ضعيف ، عند أكثرهم .

وقد رواه هشيم ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن عمر بن الحكم بن ثوبان ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه لم يقل : إن عبد الحميد سمعه من عمر بن الحكم كما قال الواقدي ، وحديث هشيم ذكره أبو بكر بن أبي شيبة ، ويحيى بن معين ، عن هشيم .

حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا عبد الله بن محمد بن المفسر ، حدثنا أحمد بن علي بن سعيد ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا هشيم ، حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن عمر بن حكم بن ثوبان ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من عاد مريضا لم يزل يخوض الرحمة حتى يجلس ، فإذا جلس انغمس فيها .

وذكر البزار قال : حدثنا زيد بن أخزم قال : حدثنا عبد الله بن حمدان قال : حدثنا عبد الحميد بن جعفر ، عن عمر بن الحكم ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال في آخره فإذا جلس عنده غمرته .

[ ص: 275 ] ولا أحفظ لحديث جابر في هذا الإسناد ، ولا أعلم لجابر حديثا في عيادة المريض غير هذا إلا ما رواه محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعودني ليس براكب بغلا ، ولا برذونا ذكره أبو داود ، عن أحمد بن حنبل ، عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن الثوري ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر .

وفي فضل العيادة آثار كثيرة رواها جماعة من الصحابة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - منهم علي ، وابن عباس ، وأبو أيوب ، وأبو موسى ، وعائشة ، وأنس ، وأبو سعيد الخدري ، وثوبان ، ولكنها بغير لفظ حديث مالك هذا ، وبغير معناه .

أخبرنا سعيد ، حدثنا قاسم ، حدثنا ابن وضاح ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : جاء أبو موسى يعود الحسن بن علي ، وكان شاكيا ، فقال علي : أعائدا جئت أم شامتا ؟ قال : بل عائدا ، فقال علي : أما إذ جئت عائدا فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خرافة الجنة حتى يجلس ، فإذا جلس غمرته الرحمة ، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي ، وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح .

وأما لفظ حديث مالك ففي حديث جابر على حسبما ذكرنا من رواية عبد الحميد بن جعفر ، ومثله حديث أنس قال : سمعت رسول [ ص: 276 ] الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : عائد المريض يخوض الرحمة ، فإذا جلس غمرته .

وليس إسناد حديث أنس بالقوي .

وأما لفظ حديث عمرو بن حزم فبلفظ حديث جابر هذا ، وفي هذا الحديث فضل عيادة المريض ، وهذا على عمومه في الصالح ، وغيره وفي المسلم ، وغيره ، والله أعلم .

وقد عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كافرا ، وقد كره بعض أهل العلم عيادة الكافر لما في العيادة من الكرامة ، وقد أمرنا أن لا نبدأهم بالسلام فالعيادة أولى أن لا تكون ، فإن أتونا فلا بأس بحسن تلقيهم ، لقول الله - عز وجل - : ( وقولوا للناس حسنا ) دخل فيه الكافر والمومن ، ولقوله - صلى الله عليه وسلم : إذا أتاكم كريم قوم ، أو كريمة قوم فأكرموه .

وقد أكثر الناس في هذين المعنيين ، وقد كان طاوس من يسلم على كل من لقي من مسلم ، وذمي ، ويقول : هي للمسلم تحية ، وللكافر ذمة .

وعلى هذا الحديث ، وعمومه لا بأس بالعيادة في كل وقت ، وقد كرهها طائفة من العلماء في أوقات .

قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - وقال له شيخ كان يخدمه : تجيء إلى فلان مريض سماه يعوده ، وذلك عند ارتفاع النهار في الصيف ، فقال : ليس هذا وقت عيادة .

وقال [ ص: 277 ] الأثرم : حدثنا أبو الوليد قال : حدثنا مندل بن علي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي قال : عيادة حمقى القرى أشد على أهل المريض من مرض صاحبهم ، يجيئون في غير حين عيادة ، ويطيلون الجلوس .

قال أبو عمر :

لقد أحسن ابن حذار في نحو هذا حيث يقول :


إن العيادة يوم بين يومين واجلس قليلا كلحظ العين بالعين لا تبرمن مريضا في مسألة
يكفيك من ذاك تسأل بحرفين



ذكر الحسن بن علي الحلواني قال : حدثنا أبو سعيد الجعفي قال : حدثنا ضمرة قال : حدثني الأوزاعي قال : خرجت إلى البصرة أريد محمد بن سيرين ، فوجدته مريضا به البطن ، فكنا ندخل عليه نعوده قياما .

حدثنا أحمد بن عمر قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال : حدثنا محمد بن فطيس قال : حدثنا محمد بن إسحاق السجزي قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، قال : أفضل العيادة أخفها .

وقال ابن وضاح في تفسير الحديث : أفضل العيادة أخفها ، قال : هو أن لا يطول الرجل في القعود إذا عاد المريض .




الخدمات العلمية