الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم . ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين . أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر فما كان جواب قومه [ ص: 268 ] إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين قال رب انصرني على القوم المفسدين

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: فآمن له لوط أي: صدق بإبراهيم وقال يعني إبراهيم إني مهاجر إلى ربي فيه قولان . أحدهما: إلى رضى ربي . والثاني: إلى حيث أمرني ربي، فهاجر من سواد العراق إلى الشام وهجر قومه المشركين . ووهبنا له إسحاق بعد إسماعيل ويعقوب من إسحاق وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وذلك أن الله تعالى لم يبعث نبيا بعد إبراهيم إلا من صلبه وآتيناه أجره في الدنيا فيه أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: الذكر الحسن، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني: الثناء الحسن والولد الصالح، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثالث: العافية والعمل الحسن والثناء، فلست تلقى أحدا من أهل الملل إلا يتولاه، قاله قتادة، والرابع : أنه أري مكانه من الجنة، قاله السدي .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وإنه في الآخرة لمن الصالحين قد سبق بيانه [البقرة: 130] . قال ابن جرير: له هناك جزاء الصالحين غير منقوص من الآخرة بما أعطي في الدنيا من الأجر . وما بعد هذا قد سبق بيانه [الأعراف: 80] إلى قوله: وتقطعون السبيل وفيه ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنهم كانوا يعترضون من مر بهم لعملهم الخبيث، قاله أبو صالح عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنهم كانوا إذا جلسوا في مجالسهم يرمون ابن السبيل بالحجارة، فيقطعون سبيل المسافر، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنه قطع النسل للعدول عن النساء إلى الرجال، حكاه الماوردي .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 269 ] قوله تعالى: وتأتون في ناديكم المنكر قال ابن قتيبة : النادي: المجلس، والمنكر يجمع الفواحش من القول والفعل .

                                                                                                                                                                                                                                      وللمفسرين في المراد بهذا المنكر أربعة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنهم كانوا يحذفون أهل الطريق ويسخرون منهم، فذلك المنكر، روته أم هانئ بنت أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال عكرمة، والسدي: كانوا يحذفون كل من مر بهم .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: لف القميص على اليد، وجر الإزار، وحل الأزرار، والحذف والرمي بالبندق، ولعب الحمام، والصفير، في خصال أخر رواها ميمون بن مهران عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث : أنه الضراط، رواه عروة عن عائشة، وكذلك فسره القاسم بن محمد .

                                                                                                                                                                                                                                      والرابع : أنه إتيان الرجال في مجالسهم، قاله مجاهد ، وقتادة وابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 270 ] وهذه الآية [تدل] على أنه لا ينبغي للمجتمعين أن يتعاشروا إلا على ما يقرب من الله عز وجل، ولا ينبغي أن يجتمعوا على الهزء واللعب .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: رب انصرني أي: بتصديق قولي في العذاب .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية